21/08/2023

كيف ينتهي الدور القديم لزعيم القبيلة؟

الأصمعي باشري

محاولات الاصطفاف القبلي، أو الجهوية، وزج المواطنيين في حرب لا يعون هدفها وما ورائها. ومحاولات إحتلال دارفور بتحالفات قبلية وإثنية والاستماتة بحفظ الجيوش خاصة لن تجلب الديمقراطية ولن تحقق الكرامة. فكل ما يدور الآن في السودان لا علاقة لها بالبناء الوطني أكثر من كونها خدمة المصالح الخاصة، وإنتصارات ذاتية تحت شعارات وطنية وإنسانية، في ظل إنخفاض الصوت المدني الساعي للتحول السلمي الديمقراطي وتشتتها إلي معسكرات ومواقف حدية.

فهل كان دور زعيم القبيلة منذ الاستقلال داخل محيطه الإجتماعي خياراً ذاتياً، أم أنه كان حجراً قسرياً، أم هي نتاج لتوغله السياسي لمستوى أعلى من منسوب الوعي السائد في محيطه الصغير، أم أن هنالك أسباب أخرى أجبرته للإقامة وحيداً ومنعزلاً عن قضاياه المصيرية وأسئلته الحتمية؟

يتحمل قادة الإدارة الأهلية في السودان عبء الكثير من حالات التجريف السياسي والاجتماعي واتساع الهوة الكبير الذي حدث في عمق المجتمعات السودانية، حيث شكل انحيازهم الفاضح وقطيعتهم مع المصلحة الوطنية الشاملة عن ملامسة تعقيدات وأزمات حاضناتهم الاجتماعية لصالح انخراطهم في الأسئلة والحوارات والأنشطة الوطنية السياسية الملغومة والمأزومة دون تحقيق حد أدنى من التوافق والتعايش.

يحدث كل ذلك بعيدا عن المكان الذي جاؤوا منه ودون أي معرفة بكنزه ومحمولات تقاليده وإرثه، الذي طالما تعاملوا معه كـ (محمية اجتماعية وثقافية) خاصة بهم دون غيرهم. محمية فقط لبريق السلطة، أو أطماع التجارة، وسلطة الاقتصاد، وزيف التباهي العشائري.

يحدث كل ذلك فقط من أجل تمثيل إنسان جغرافيتهم في السلطة التنفيذية والتشريعية، كأنهم يحملون على أكتافهم كتاباً للتاريخ المؤبد. تاريخ لا تتغير فصوله ووقائعه، فأهملوا عمداً أو سهواً دورهم الطليعي في المساهمة في إرساء وعي ثقافي وحضاري يبني على القديم لتجديده وتطويره. فتناسوا أسئلة جوهرية ومحورية حول ماذا فعلنا من أجل مشروع وطني حقيقي لما بعد الاستقلال؟ وماهية مشكلات وهموم مجتمعاتهم الصغيرة في مدار دولة قومية، ووطن بحجم السودان تتعدد فيه الثقافات والسحن؟

تناسوا كل ذلك ومضوا يتلهفون للوظائف السلطوية، والتناحر حول كيكة التمثيل الرمزي والمعنوي دون الإنتباه لعمق ثقافاتنا الغنية بتراثها الخلاق والحي والمتسامح، ودون الشعور باستغاثات موتها واحتضارها جراء الإهمال الممنهج، لتحل محلها ثقافة العنف والجهل والرفض.

فهاهي دارفور تروح ضحية الحروب، ولعنة العنصرية أمام أعين زعمائها وسياسيها. وهاهو شرق السودان يقع تحت وطأة التهميش والمرض تحت أنظار عمده ونظاره. ويعاني الشمال برمته من وهدة التخلف الأعمى ومتاريس المفاهيم البالية وسط صمت أهله وهروبهم من مواجهة الأسئلة الكبرى.

لقد انتهى زمن الإنكفاء والتعامي عن حرائق التاريخ اللحظة. وآن الأوان لحجر السياسي في حواضنه، وبعد هذه الثورة العظيمة من أجل المثابرة على قراءة الواقع الذي خلقته، كي يغيّر قادة الإدارة الأهلية، والسياسيون السودانيون تاريخاً جديداً بالتنقيب عن مكنونات ثقافاتهم وتراثهم، ولعب الدور الأساسي في مستقبل البلاد بالانخراط في عمل ثقافي تنويري حقيقي وسط مجتمعاتهم وحاضناتهم الاجتماعية، وبث روح التغيير في بناء الإنسان ثقافيا وحضاريا، بتصميم وعزيمة باجتراح المشروعات الفكرية العظيمة التي تصب في نهر الأمة السودانية.

 

 

معرض الصور