26/08/2023

السودان على عتبة انتقال غير كلاسيكي: من دار الحروب المتجددة الى دار السلام المستدام

عبدالله رزق ابوسيمازه

يمكن الافتراض بان حرب الخرطوم 23 تشكل حدا فاصلا بين حقبتين من عمر السودان الحديث: ما قبل الحرب وما بعدها. ولكل سماتها ودينامياتها. فالحرب واقعة استثنائية، بمثابة تحول عنيف في السياق الطبيعي لتطور الاوضاع، رج المجتمع السوداني من جذوره. فهي ليست حدثا عرضيا كانقلاب 25 اكتوبر، كـ عترة تصلح المشية لذلك خلقت واقعا جديدا عمق الازمة الوطنية القائمة بحيث لم تعد مناسبة مناهج الحلول الجزئية والاصلاح والتسويات الفوقية لمواجهة التحديات الجديدة التي يطرحها واقع الحرب.

فالحرب اخيرا، كمظنة لاقتران العنف بالقوة، تبدو كالقابلة - وفق مقولة ذائعة - المولّدة لمجتمع قديم يتمخض بمجتمع جديد .

لعل ابرز ما طاله التغيير هو وصفة الانتقالية كنمط واطار تفكير سياسي تقليدي ومستودع خبرة تاريخية، وكبرامج وتكتيكات،وقوى ترتبط بالمناهج الانتقالية.

وتكمن الردة تبعا للمتغيرات التي تحدثها الحرب، في اي مسعى للتثبيت عند مسارات التطور، التي اوجدتها المرحلة السابقة.

فلاول مرة منذ الغزو التركي المصري للسودان، تنقسم المؤسسة العسكرية بعد طول انغماس في السياسة وفي البزنس، وما يتصل بهما من صراعات معقدة لتواجه بعضها البعض، في حرب مدمرة ذات دلالة عميق على تفسخ الدولة وانحلالها، مما يهدد وجود الكيان السوداني بالتمزق والتوزع بين المليشيات والدول الطامعة.

تشكل حرب الخرطوم بامتدادتها في الاقاليم، وتجلياتها في كل اوجه الحياة في البلاد، تجربة قاسية يعيشها المجتمع السوداني لاول مرة، ويتاثر بها تاثيرا عميقا مما يسمح بالاستنتاج بان مجتمع مابعد الحرب، ليس هو نفسه مجتمع ما قبلها، بتكويناته وتطلعاته ورؤاه. ولانها حدثت في القلب من المركزخلافا لحروب السودان الطرفية، فان اثارها وان على تفاوت من شدتها، قد طالت الجميع، وغيّرتهم الى الابد. لذلك ليس متوقعا ان ان تعود الاوضاع كافة، الى ماكانت عليه عند اي نقطة ما قبل 15 ابريل 2023 ،مجرد وضع السلاح ارضا. فالحرب بما يرافقها ويترتب عليها من تغيير قسري، فانها تفرض على الجميع اعادة دوزنة طرائق تفكيرهم مع المستجد في الساحة مما افرزته من نتائج على الاصعدة كافة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ...الخ.

ففي وقت احدثت فيه الحرب فرزا جديدا للقوى، وفق محدد هو الموقف من الحرب ذاتها ينهض السؤال عن جدوى التحالفات القائمة قبلها، وعن سلامة اساسها السياسي، وتكتيكاتها وبرامجها. فازالة اثار الحرب تطرح نفسها، كاولوية وعنوان للمرحلة وقضاياها المفتاحية، بدء من اصلاح شامل لما خربته الحرب، واعادة بناء ما دمرته على كل صعيد، في سياق الانتقال للحكم المدني في ظل الديموقراطية، وانتهاء باجتثاث جذور الحرب نفسها، وهو ما يكافيء انجاز ثورة عظيمة، تقتضي قيادة ثورية بالضرورة، تستلهم عنفوان وصلابة وقوة تصميم ثورة ديسمبر المجيدة. اذ ان المطلوب الان لم يعد مجرد انتقال من الدكتاتورية الانقاذية الى الديموقراطية والحكم المدني بقدر ماهو بناء سودان جديد ومختلف، ببرنامج جديد لانتقال غير كلاسيكي، من دار الحروب المتجددة الى دار السلام المستدام.

معرض الصور