31/08/2023

السودان: حرب تدور في الظلمة

يوسف حمد

قالت نقابة الصحفيين السودانيين إن المئات من الصحفيين، من بينهن 112 صحفية، غادروا منازلهم في العاصمة الخرطوم إلى الأقاليم أو إلى خارج البلاد بسبب الحرب، إلى جانب تعطل المؤسسات الصحفية والإعلامية، بما في ذلك مبنى الإذاعة والتلفزيون الرسمي المحتل بواسطة قوات الدعم السريع.

ومنذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي وتوقف المؤسسات الصحفية والإعلامية، أخذت الحرب تدور في الظلام، وباتت الظروف مواتية لعودة نمط معروف من التداول الإعلامي وصناعة السيطرة الإعلامية ملؤهما الدعاية والتضليل والانحياز غير الموضوعي في صناعة ونقل المعلومات والأخبار.

وينشط طرفا الحرب، الجيش وقوات الدعم السريع، في هذه الدعاية الموجهة لكسب نقاط في الحرب، مستفيدين من النشر الذي تتيحه منصات التواصل الاجتماعي على الإنترنت. وقد حشدا دعاية صارخة وبلا سقوفات، تضمنت خطاب الكراهية والعنصرية والتحشيد القبلي.

وأشارت نقابة الصحفيين إلى ظروف بالغة التعقيد يعيشها الصحفيون في ظل الحرب، يتعذر معها القيام بأي مهمة صحفية، ومن بينها التضييق ونهب المعدات، وتوقف المؤسسات الصحفية السودانية عن دفع الأجور. وأخذت بعض المؤسسات في تسريح الصحفيين.

ووصلت المصاعب لدى هذه الفئة المعنية بالصحافة والإعلام إلى القتل وفقدان الأرواح؛ حيث قتل الصحفي عصام مرجان والمصور الصحفي عصام الحاج.

وفي هذا المنحى لا يبدو أن طرفي القتال في الخرطوم يلتزمان بالمواثيق التي تحمي الصحفيين أثناء النزاع، مثل القانون الدولي الإنساني، وغيره من القوانين التي تنأى بالصحفيين عن الصراع وتساعدهم على أداء مهامهم الصحفية.

وفي خضم ذلك قالت نقابة الصحفيين إن الصحفيين والصحفيات في غرب السودان يعيشون أوضاعا أشد سوءا في المناطق التي تشتد فيها المعارك والاشتباكات.

ولا يزال مصير عشرات الصحفيين بولايات دارفور المشتعلة مجهولا بالنسبة للنقابة لصعوبة الاتصال.

ويواجه الصحفيون والصحفيات الذين فروا من الحرب بولاية غرب دارفور عبر الحدود إلى دولة تشاد ظروفا بالغة الصعوبة، ابتداء من قطع عشرات الأميال سيرا على الأقدام نحو الحدود والمكوث في معسكرات النزوح  برغم الإعياء والمرض وانعدام الرعاية الصحية والطبية المطلوبة.

هذا الجانب العنيف إزاء الصحفيين هو ما جعل تاريخ الصحافة السودانية هو تاريخ للقمع؛ فما أن يطل انقلاب في البلاد حتى يسارع إلى إغلاق المؤسسات الصحفية، أول بأول، ويحل النقابات والأحزاب السياسية والمنظمات ذات الطابع الحقوقي والسياسي. ومن بين الاعتقالات الكثيرة للفئات السياسية، ينال الصحفيون، كذلك، حظهم من الاعتقال والتضييق في ظل الانقلابات والحكومات القمعية.

وفي ظل بعض حالات التماهي التي أبداها الناشرون وملاك الصحف مع الحكومات الديكتاتوية، أخذ المحررون على عاتقهم مسؤولية المحافظة على استقلالية مهنتهم، ودفعوا إزاء ذلك كلفة عالية في مواجهة الأنظمة القمعية.

وفي أعقاب سقوط نظام عمر البشير كانت الصحافة في السودان تعيش في مستوى من الحرية حصلت عليه بفضل ثورة ديسمبر 2018، التي أجبرت عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري وقتها، (في أبريل 2019) على تعليق العمل بالقوانين المقيدة للحريات، ومن بينها قانون الصحافة والمطبوعات وبعض المواد من قانون جهاز الأمن.

وتسبب الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش وقائد قوات الدعم السريع في 25 أكتوبر 2021 في قطع الطريق أمام قانون عادل للصحافة والمطبوعات كانت قد اقترحته وزارة الثقافة والإعلام وفتحت فيه المشاركة واسعة أمام الصحفيين، وحين اندلعت حرب الجنرالين في أبريل الماضي كان كل شيء بخصوص الصحافة قد انتهى إلى فاجعة.

معرض الصور