02/09/2023

ترتیبات الحكم المؤقتة في البیئات الھشة وبیئات ما بعد الصراع (1-3)

روبرت فورستر
إن ترتيبات الحكم المؤقت هي إطار مؤسسي يرمي إلى بناء ’جسر‘ لإجتياز حالة العجز عن الحكم الناجمةعن اندلاع أزمة سياسية أو أزمة عنيفة في سياق دولة سلطوية عادة. وترمي الترتيبات المؤقتة كذلك إلىتركيز حكم أكثر سلمية وشمولاﹰ وديمقراطية.١ تتكون ترتيبات الحكم المؤقت من هيئة واحدة أو مجموعةهيئات وتتخذ عادة شكل حكومة منتخبة توكل إليها مهام الإشراف على مجموعة من الإجراءاتالإصلاحية. وقد باتت هذه الترتيبات سمة مشتركة في عمليات السلام والانتقال منذ سنة ١٩٩٠ واعتﹹمدتكحل أول للخروج من الأزمات السياسية وصولاﹰ إلى التسويات السياسية.

هناك انطباع لدى الخبراء الممارسين أن عمليات السلام وترتيبات الحكم المؤقت باتت معقدة على نحومتزايد، ومنطوية على الكثير من المسائل والمسارات الفرعية والمهام والهيئات المؤقتة مقارنة بما كانﹰسائدا خلال التسعينيات. لكن رغم أن بعض عمليات السلام المعاصرة الأكثر ﹰتعقيدا وصعوبة تستند إلىالحكم المؤقت مع عمليات الإصلاح المتعددة، فإن النطاق الزمني لهذه الترتيبات لا يزال يتباين بشكل كبير،حيث يمكن أن تستمر الفترات الانتقالية من بضعة أسابيع إلى عدة سنوات . ومن أسباب اختلاف مدةالفترات الانتقالية وجود كم هائل من المهام التي ينبغي تنفيذها استعداداﹰ لإجراء انتخابات حرة ونزيهةبالقدر الكافي، إضافة إلى عدد من العوامل الهيكلية الأخرى سنتناولها على نحو مفصل في هذا التقرير.

إن استخدامنا للاستعارة الدلالية بتشبيه الترتيبات المؤقتة بالجسر، غايته التشديد على أهمية العملية الانتقالية في نقل بلد ما من وضع إلى آخر، مع الحرص على الحفاظ على الصبغة المنفتحة للمسار الانتقالي كي يتضمن:

• دعم الانتقال من حالة الصراع إلى حالة الوضع السلمي؛
• العمل على الانتقال من وضع الحكم غير الشرعي إلى وضع الحكم الشرعي؛
• السماح بمهلة كافية للتوافق على تسوية دستورية أكثر استدامة؛ و
• توفير إطار لتسيير الحكم بشكل ’معتاد‘ بالتوازي مع تنفيذ عمليات إصلاح أخرى.

تسعى معظم الترتيبات المؤقتة إلى تحقيق الكثير من الأهداف المذكورة آنفاﹰ في الآن ذاته. لكن الفترةالمؤقتة تفرز كذلك ’ميداناﹰ‘ سياسياﹰ جديداﹰ بين الأطراف صاحبة المصلحة، فيسعى كل طرف إلى الانتصارإلى وجهة نظره بشأن شكل الدولة بعد انتهاء الصراع. ولو أخذنا على سبيل المثال الوضعية الانتقالية التييشهدها السودان ﹰراهنا، سنلاحظ حدوث توترات بين المتظاهرين في المدن الذين ’يناضلون من أجل إرساءحكم قائم على مبادئ الحقوق المدنية‘ وبين المحتجين المقيمين في مناطق النزاع الذين ’يعطون الأولويةإلى إحلال السلام وبسط الأمن وإنهاء التهميش المناطقي‘تتحمل تبعاﹰ لذلك ترتيباتالحكم المؤقت مسؤولية عظيمة كونها مدعوة إلى مواصلة الاضطلاع بدورها ﹰوسيطا ومشرفاﹰ على عقدالاتفاقات والتسويات من أجل تقريب وجهات النظر المتضاربة بشأن شكل الدولة المنشود.

١-١. عناصر ترتيبات الحكم المؤقت

تتألف ترتيبات الحكم المؤقت من ثلاثة عناصر أساسية:

(أ) هيئة أو هيئات الحكم الوقتية المسؤولة عنتسيير شؤون البلاد خلال الفترة الانتقالية؛
(ب) عمليات الإصلاح التي تجري بإشراف تلك الهيئات من أجلتوفير الظروف اللازمة لإنهاء الوضع الانتقالي؛ و
(ج) فترة انتقالية واضحة الآجال.

غالباﹰ ما تكون هيئات الحكم المؤقتة، التي تنطوي عادة على شكل من أشكال تقاسم السلطة بين أطراف الصراع، المكون المركزي لعملية الانتقال. تخضع بنية هذه الهيئات والعضوية فيها وكذا توزيع الحقائب داخلها إلى مفاوضات مكثفة بين أصحاب المصلحة المتنافسين. غالباﹰ ما يكون تشكيل السلطة التنفيذية المؤقتة وتوطيد أركانها إحدى المهام الأولى التي ينبغي الاضطلاع بها في الفترة الانتقالية بعد انتهاء الصراع. وتقع على عاتق هيئات الحكم المؤقت في المقام الأول مسؤوليتان رئيسيتان هما مواصلة الاضطلاع بالوظائف الإدارية للدولة وتنفيذ بنود عمليات الإصلاح المتفق عليها. ومن مهام الدولة الأساسية سن القوانين وإنفاذها وفرض النظام وتسهيل عمل المؤسسات (مثال: قوات الشرطة والمحاكم) وضمان توفير السلع والخدمات (على غرار الماء والكهرباء والتخلص من النفايات وجهود إعادة الإعمار) وتمثيل البلاد في المحافل الدولية الذي يكتسي أهمية بالغة في ضمان حصولها على التمويلات من المؤسسات المالية المتعددة الأطراف. وقد جرت مناقشة مستفيضة للقائمة الكاملة للمهام المنوطة بعهدة الحكومة المؤقتة وتحديد العلاقات التراتبية بينها. يمكن كذلك إنشاء هيئات تشريعية انتقالية، لكن الكثير من التجارب الانتقالية تقتصر على الجوانب التنفيذية وتبقي المهام التشريعية معلقة. ويحسن التنبيه على أن احتدام المنافسة على عضوية الهيئات الوقتية وبنية السلطة التنفيذية يؤدي إلى العجز عن تشكيل هيئات الحكم المؤقتة أو عجزها عن أداء مهامها.

تختلف أشكال الحكم المؤقت، لكنها كلها تشترك في مبدأ تقاسم أعباء الحكم بين أهم أطراف الصراع. وإن أكثر نماذج الحكم المؤقت شيوعاﹰ هو حكومة ’وحدة‘ وطنية غير منتخبة تقوم على تقاسم السلطة، حيث تكون المقاعد موزعة بين أصحاب المصلحة المحليين (عادة أطراف الصراع الرئيسية). وفي الأنظمة شبه الرئاسية، تقسم السلطة بين القائد الحالي الذي يتولى منصب الرئيس وبين زعيم المعارضة الذي يتولى منصب الوزير الأول أو رئيس البرلمان (جمهورية إفريقيا الوسطى سنة ٢٠١٣ مثلاﹰ). أما في الأنظمة الرئاسية فتوجد مجموعة من الخيارات، من بينها تعيين نائب أو نواب للرئيس بحسب عدد أطراف الصراع ( مثال:جزر القمر ٢٠٠١). يمكن إنشاء مجلس للدولة أو مجلس رئاسي في مسعى لكفالة أوسع مشاركة في المناصب التنفيذية. خضعت تركيبة مجلس الدولة في ليبيريا إلى التفاوض وإعادة التفاوض خمس مرات بين ١٩٩٣و٢٠٠٣. وحدث الأمر ذاته في مدغشقر حيث احتدم النقاش بين سنتي ٢٠٠٩ و٢٠١١ حول قضية الرئاسة المشتركة للبلاد. تألف المجلس الرئاسي الليبي الذي أنشئ سنة ٢٠١٥ من تسعة أعضاء، من بينهم الرئيس وخمسة نواب رئيس وثلاثة وزراء. وقد اختير هؤلاء على أساس تقاسم السلطة بين مختلف المجموعات المتصارعة. وفي كل سيناريو، نجد آليات مختلفة لصنع القرار ونماذج حكم قائمة على أساليب مختلفة من بينها إسناد حق الفيتو واشتراط الإجماع أو موافقة الأغلبية، إضافة إلى اشتراط عدد أدنى للأشخاص المشاركين في التصويت على قرار ما حتى ينال الشرعية.

يجب أن تكون مسألة وضع ترتيبات الحكم المؤقتة خاضعة للظروف الخاصة السائدة في السياق المحلي لكل بلد. على سبيل المثال، خالف اتفاق بيشاور لعام ١٩٩٢ في أفغانستان اتفاقية الرئيس التنفيذي الصوري لاقتراح مجلس إسلامي مؤلف من ٥١ عضواﹰ للاضطلاع بأعباء الحكم الانتقالي. في البلدان التي يتركز فيها الصراع في مناطق معينة داخل البلاد، غالباﹰ ما تتشكل هيئات الحكم المؤقت التابعة للدولة من خلال الأطر القانونية والدساتير الموجودة سلفاﹰ والتي يجب أن تلتزم بها. في نزاع مينداناو في الفيلبين، نصت إتفاقية إطار العمل لعام ٢٠١٢ بشأن بانغسامورو على تشكيل لجنة انتقالية لمينداناو تكون مسؤولة عن تنفيذ عمليات الإصلاح المحددة في الاتفاقية. وفي الآن ذاته، جرى الاتفاق على مواصلة حكومة البلاد المركزية (التي لم تكن انتقالية بطبيعة الحال) تسيير شؤون مينداناو. في بوغانفيل، بابوا غينيا الجديدة، أبطل تصويت في البرلمان الاتفاق الأساسي المبرم سنة ١٩٩٨ بسبب مخالفته لعدد من بنود دستور البلاد. وجرى تشكيل حكومة إقليمية على النمط ذاته في مناطق أخرى من بابوا غينيا الجديدة، لكن السلطة لم تﹹقسم بين الجماعات في بوغانفيل على النحو المطلوب. وعلى الرغم من هذه النكسة، وجدت هذه الجماعات طريقة لتعليق الحكم الإقليمي الرسمي وتشكيل مؤتمر شعب بوغانفيل، والذي كان أكثر تمثيلاﹰ، مما ساعد في الدفع بالعملية قدماﹰ، ونال الاعتراف الرسمي بوصفه هيئة استشارية للحكومة الإقليمية المؤقتة التي تشكلت لاحقاﹰ سنة ٢٠٠٥.

عمليات الإصلاح في الفترة الانتقالية

إضافة إلى اختلاف بنية الحكومات المؤقتة، فإن ترتيبات الحكم المؤقت مختلفة للغاية من حيث كم وطبيعة الإصلاحات التي تم تنفيذها طيلة الفترة الانتقالية. تتفق مختلف الأطراف على عمليات الإصلاح بعد مفاوضات بينها. ويتضمن أبسط نموذج للحكم المؤقت العناصر الثلاثة التالية:

(أ ) تشكيل حكومة يتقاسم فيها أصحاب المصلحة السلطة؛
(ب) الالتزام بإيقاف الأعمال العدائية؛ و
(ج) آلية لنقل السلطة إلىحكومة ما بعد الفترة الانتقالية (عبر الانتخابات عادة).

تعتمد النماذج البسيطة غالباﹰ في البلدان التي تشهد صراعات محدودة، مثلما حدث في أعقاب الانقلاب الذي وقع في غينيا بيساو عام ١٩٩٩، حيث تبين أن فشل الديمقراطية والتداول الديمقراطي للسلطة كان السبب في اندلاع الأزمة.

غالباﹰ ما تسعى التحولات الأكثر تعقيداﹰ التي تعالج النزاعات المسلحة الطويلة الأمد إلى إصلاح النظام السياسي للبلد، وتتضمن إصلاحات شاملة تمس طبيعة الدولة ذاتها (على سبيل المثال بوروندي ٢٠٠٠-٢٠٠٥، جمهورية الكونغو الديمقراطية ٢٠٠٣-٢٠٠٦، السودان ٢٠٠٥-٢٠١١). تستهدف الإصلاحات عادة قطاعات استراتيجية محددة من بينها الحكم والأمن والنظم القانونية والعدالة وحقوق الإنسان والاقتصاد (الاستفادة من الموارد والضرائب ونحو ذلك. لكن الكثير من عمليات الإصلاح تكون مع ذلك مرتبطة، الأمر الذي قد يؤدي إلى ’تضخم‘ العملية واتساعها على نحو لا يمكن توقعه خلال الفترة الانتقالية. على سبيل المثال، تقتضي حاجة البلاد إلى تنظيم انتخابات أن تشمل ترتيبات الحكم الموقت تشكيل لجنة انتخابية وطنية وإجراء تعداد سكاني وإعادة تنظيم الوحدات الإدارية ومراجعة قانوني الانتخابات والأحزاب السياسية، إضافة إلى تكريس هذه الإصلاحات على الصعيد القانوني بحسب ماتحتاجه الفترة الانتقالية.
المسارات المختلفة لعمليات الإصلاح

1. المسار السياسي، وينص على تشكيل حكومة مؤقتة وتنفيذ الإطار الانتقالي الذي يتفق عليه أصحاب المصلحة، ويشمل ذلك الإصلاح الواسع النطاق للقطاعين المدني والسياسي وإصلاح القانون الانتخابي وتحديد موعد الانتخابات وكيفية تنظيمها.

2. المسار الأمني، ويشمل فرض وقف إطلاق النار، وإرساء آليات لنزع سلاح الأطراف المسلحة وتسريح مقاتليها وإعادة إدماجهم، إضافة إلى إصلاح القطاع الأمني الحكومي، بما في ذلك إمكانية دمج القوات وهيئات القيادة العسكرية.

3. المسار الدستوري، وينص على تنفيذ إصلاحات قانونية ودستورية تهتدي بهديها الترتيبات السياسية والأمنية والاقتصادية، بما في ذلك تنفيذ خيارات تتعلق باستشارة الفعاليات الشعبية ( كما حدث في الحوارات الشعبية باليمن سنتي ٢٠١٣ و٢٠١٤ وفي ليبيا سنة ٢٠١٨ أو الاستشارات الشعبية التي حدثت في زمبابوي سنتي ٢٠٠٨-٢٠٠٩ و٢٠١٩) وتشكيل هيئة دستورية وفي بعض الحالات إجراء استفتاء دستوري.

4. المسار الاقتصادي، وينص على التمويل الخارجي لجهود الإغاثة الإنسانية ودعم الحكومة المؤقتة وعمليات الإصلاح، إضافة إلى الدعم الإنساني والتنموي عبر تقديم المساعدات وجهود إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع. قد يشمل ذلك أيضاﹰ رفع العقوبات (من القضايا المركزية التي اكتست أهمية خلال عملية الانتقال في السودان سنة ٢٠١٩) أو الحرمان من التمويل الدولي بوصفه أداة دبلوماسية لكسر الجمود (على غرار ما وقع في مدغشقر سنة ٢٠١٣ عندما سحبت الأطراف المانحة تمويلاتها للانتخابات).

على صعيد الممارسة تكون المسارات جميعها مترابطة على نحو وثيق. ويختلف مضمون كل مكون ونمط تتابع المكونات باختلاف العمليات الانتقالية. فعلى سبيل المثال، تختلف طريقة تطبيق نزع السلاح والتسريح وإعادة الاندماج في طاجيكستان (حيث قام اتحاد المعارضة الطاجيكية طوعاﹰ بتسريح قواته وإعادتهم إلى الوطن ودمجهم في الجيش الطاجيكستاني وكانت حصته في قوات إنفاذ القانون ٣٠ بالمئة ( البروتوكول الخاص بالمسائل العسكرية، ١٩٩٧) عن طريقة تطبيقها في الغابون (حيث وقع ببساطة إعادة تحديد دور قوات الأمن وإعادة تنظيم التسلسل القيادي (إتفاق باريس ١٩٩٤).

لكن ينبغي التعامل مع هذه المسائل جميعها وتنظيم تسلسلها على نحو مندمج يسمح لكل مرحلة بأن تحقق نجاحها الخاص وتسهم في نجاح الهدف النهائي لعملية الانتقال بوجه عام. وإضافة إلى ذلك، تعتمد ترتيبات الحكم المؤقت على الهياكل الدولية المتعددة الأطراف التي توفر الدعمين اللوجستي والمالي لعملية الانتقال، رغم وجود بعض التحفظات على قدرة الهياكل الدولية المتخصصة في إدارة الانتقال على تحقيق هذه الغاية (أنظر القسم ٤-١).

١-٢. العوامل المؤثرة في اختيار عمليات الإصلاح

لا تكتسي الاعتبارات الشكلية و’حسن التصميم‘ أهمية بالغة في إنشاء المؤسسات الوقتية وتنفيذ عمليات الإصلاح. بدلاﹰ من ذلك، ينصب الاهتمام على منطق التفاوض بين أصحاب المصلحة. وتخضع عمليات الإصلاح إلى العوامل التالية:
توازن القوى بين أصحاب المصلحة.

خلال المفاوضات يكون الطرف الأقوى غالباﹰ الأقدر على فرض وجهة نظره بخصوص الفترة الانتقالية، ويشمل ذلك الاستحواذ على أكبر عدد من الحقائب وأهمها في الحكومة. يكون لأصحاب المناصب الحكومية عادة امتيازات وقد يعززون قوتهم وسلطتهم بالاعتماد على قوات عسكرية وأمنية. إذ لا يمارس على هذه القوات (خلافاﹰ للميليشيات المسلحة التابعة للمعارضة) ضغط لنزع سلاحها خلال فترة تنفيذ عمليات الإصلاح.

قوة المؤسسات القائمة.

في بعض البلدان، تكون بعض المؤسسات (على غرار المحاكم) أكثر قوة واستقلالية وموثوقية مقارنة بسائر المؤسسات. وقد يعكس ذلك قدرة تلك المؤسسات على تفادي إيقاع الظلم بالناس كما تفعل المؤسسات الأخرى في تلك المجتمعات، أو قد يعود ذلك إلى قدرتها على صون استقلاليتها وعدم انخراطها في الظلم الذي سلطته الحكومات غير الليبيرالية على شعوبها . في بعض الحالات، تكتسي المؤسسات القوية أهمية بالغة في إنجاح ترتيبات الحكم المؤقت من خلال دورها كآلية من آليات فض النزاعات. في بعض البلدان على غرار نيبال وجنوب إفريقيا، كان النظام القانوني قوياﹰ ولم ﹺيقتض سوى بعض الإصلاحات الطفيفة حتى يصير أكثر شمولاﹰ، وعولت تلك البلدان على نظامها القانوني القوي لاستكمال استحقاقاتها الانتقالية.

في بلدان أخرى، شكلت قوة المؤسسات بوصفها طرفاﹰ سياسياﹰ فاعلاﹰ ومستقلاﹰ عقبة حالت دون المضيﹰقدما في الإصلاح. ففي الكثير من الدول التي تعصف بها الصراعات، تضطلع المؤسسة العسكرية عادة بدوربالغ الأهمية في حكم البلاد وتستأثر بحصة كبيرة من ميزانية الدولة، الأمر الذي يجعلها قادرة علىالمشاركة في صنع القرار الوطني بوصفها ﹰفاعلا سياسياﹰ مستقلاﹰ . ونتيجة لذلك، ينبغي لترتيبات الحكم المؤقت أن تستوعب، وأحياناﹰ تسمح، لممثلي المؤسسة العسكرية بالاشتراك بتلك الترتيبات لضمان دعم العسكريين لعملية الانتقال. ففي حالة مدغشقر، رفض الجيش (الذي هدد بالتدخل في المسار الانتقالي عدة مرات) أن يكون من المؤسسات التي يستهدفها الإصلاح على رغم الشقاق بين وحداته. رفضت المؤسسة العسكرية المالغاشية المادة 22 من الميثاق الانتقالي رغم قصر العهدة الممنوحة للجنة الأمنية المقترحة (ميثاق الانتقال ٢٠٠٩). والغالب على الظن أن مشاركة العسكريين (كما رأيناه في عملية الانتقال السوداني سنة ٢٠١٩) سيحد من القدرة على مساءلتهم ومحاسبتهم لأن ذلك قد يهدد المستقبل السياسي لكبار المسؤولين العسكريين.

المصدر:

www dot idea dot int

معرض الصور