04/09/2023

السودان: ما نحتاجه ويفتح مسارات الحياة المدنية

خالد ماسا

لعله من نافلة القول إن مشروع النظام السياسي الذي ظل ممسكاً بخناق الحُكم في السودان لثلاثة عُقود تصرمت، قامت أركانه على هدم البناء المدني في السودان، ابتداء من قرارات حل الأحزاب السياسية وإغلاق دورها، وحظر أي نشاط سياسي ومصادرة وإغلاق الصحف والتضييق على مساحات حرية الرأي والتعبير، لتُسجل مؤشرات قياس الحريات في فترة هذا المشروع القياسات الأقل في تاريخ الحياة المدنية في السودان منذ نشوء السودان كدولة، ومنذ أن عرف المواطن السوداني الطريق لبناء قيمه ومؤسساته المدنية.

لم يكن هذا المشروع هو النكسة الأولى، بطبيعة الحال، في السودان للمؤمنين بالقيم المدنية والديموقراطي؛ إذ لهم من التجارب والنكسات ماتسبب في تأخير إكتمال هذا البناء وتطوره لايجاد سبيل لخلق مناعة طبيعية لدى المكونات المدنية والديموقراطية تُكافح بها أي ارتداد عن القيم التي آمن بها السودانيين ودفعوا كُلفتها من عمرهم ومن دماء شهدائهم.

الحرب التي تدور منذ منتصف أبريل ولم يسكت صوت رصاصها حتى الآن ماهي إلا متحوّر جديد للمشروع آنف الذكر، قصد من إنتاجه مقاومة الأمصال التي بدأت روح ثورة التغيير في إنتاجها على يد جيل ولد ونشأ وتربى وتشكل وجدانه في مناخ لم يعرف فصلاً للمدنية والديموقراطية.

الحرب في عمومها هي (أنوفليس) الصحة العامة للمدنية والديموقراطية، وتعد البيئة المناسبة لتوالد كل ما من شأنه تعكير المزاج الديموقراطي في السودان، ونراها الآن قد فتحت الباب أمام تلويث الخطاب العام بالكراهية والعنصرية والجهوية والمناطقية.

الخطاب العام المتداول الآن بسبب الحرب ينقل أضراره الجسيمه لما بعدها للحيلولة دون الخروج من نكسة الحرب إلى رحاب التحول المدني الديموقراطي.

الحرب الآن هي إشتراك جنائي مكتمل يسعى لشيطنة  كل ماهو مدني وتجريف الأرض التي قد تُنبت بذور القيم المدنية والديموقراطية؛ فلم يعد المطلوب من المكونات المدنية، أحزاب كانت أو منظمات، غير أن تكون مجرد اصطفاف يُشعل نار الحرب ويطلق لجامها بدلاً عن محاصرة أسبابها بالوعي المدني الديموقراطي.

مهما كانت تكلفة الحرب والجراحات التي ولدتها وجب على المؤمنين بالقيم المدنية والديموقراطية الأصرار على عدم النكوص عن الذي آمنوا به من قيم تحت أي مبرر من المبررات، وأن تكون هذه الحرب هي الدافع للقول بأن المخرج الوحيد للأمة السودانية هو عبر مسارات المدنية والديموقراطية الآمنة، بخيارات التعدد والتنوع والخطاب المدني الديموقرتطي كامل الدسم ومنزوع العنصرية والكراهية.

تعبئة الفضاء العام بخطاب الحرب يجب مقابلته بخطاب الوعي والتنوير وأن تُسرِج  القوى المدنية خيل قيمها الديموقراطية، وأن تنشر منه ما استطاعت إليه السبيل حتى لاتسود هذه الروح التي أطالت أمد الحرب وأذاقت الشعب السوداني مُر الإنتهاكات.

خسارتنا الحقيقية في هذه الحرب هي أن نقبل التراجع عن قيم دفعنا تكلفتها وأن نسمح لخطابنا الواعي بأن ينجر لمزالق خطاب التحشيد للحرب المليئة بالكراهية والكيد المتبادل.

انتصارنا الحقيقي في هذه الحرب هو الثبات على خطوط نار القيم المدنية والتبشير بها كل ما أوقدوا ناراً للحرب ونفخوا في كيرها.

معرض الصور