النسوية الرقمية الأفريقية في القرن الحادي والعشرين
جينفر رادلوف
كيف تبحر الناشطات النسويات الأفريقيات في احتمالات وموازين القوة المتعلقة بوسائل الاتصال في العصر الرقمي؟
تستطلع جينفر رادلوف هذا الأمر في مقدمتها لأحد إصدارات دورية “فيمينست أفريكا” التي تحمل عنوان: “مساحات رقمية: سياسات رقمية”.
أدي تطور وظهور الإنترنت إلي توسيع حدود الحركة النسوية. وتعد “فيمينست أفريكا” ذاتها مثال أصيل على جرأة المشاركات الرقمية للحركات النسوية في جميع أنحاء العالم. نشأت “فيمينست أفريكا” منذ عشر سنوات بدعم من المجتمع الأفريقي النسوي، كأول دورية أكاديمية رقمية مفتوحة المصدر في أفريقيا. كما تظل المجلة الأكاديمية الوحيدة المكرسة لنشر وتعزيز الدراسات النسوية المستقلة كمشروع للنشاط النسوي.
تتصل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بأوجه عدم المساواة – على اختلاف أنواعها – وتعيد إنتاجها. الأمر لا يتعلق بالتفرقة علي أساس النوع (الجندر) فحسب، بل يمتد إلى القطاعات التاريخية واللغوية والجيوسياسية والاقتصادية والعرقية وغيرها من المحاور المتداخلة المتعلقة بالامتيازات والقوة.
فإمكانية الوصول إلى الإنترنت واستخدامه تعكسان سبل التعامل مع اختلافات النوع والطبقات الاجتماعية، وغيرها من مسارات القوة، وكذلك الانتهاكات، في المجتمع بعيدا عن العالم الافتراضي. وتحمل بعض المنظمات المعنية بالحقوق الرقمية وهيئات الأمم المتحدة على عاتقها تناول قضايا عدة متعلقة بسيطرة الدولة، والرقابة، والمراقبة، وانتهاك الخصوصية، وتقييد حرية التعبير والتنظيم، والعنف ضد النساء.
وعند تصفح إصدارة “فيمينست أفريكا” المعنونة “مساحات رقمية: سياسات رقمية“، نجدها تدور حول التداعيات العالمية المتعلقة بالنشاط النسوي في القارة، مواكبة الانتشار السريع للنسوية الرقمية1، وذلك بإلقاء الضوء على الإسهامات البارزة والمستمرة للنساء الأفريقيات في هذا المجال عالميا.
تشير الأدلة التاريخية أن أدا لوفلايس (١٨١٥-١٨٥٢) هي من كتبت أول نظام حاسوب. كما استحدثت مفهوم استخدام العد الثنائي3 في البرمجة (صفر وواحد). وكانت ذات رؤية مستقبلية، إذ أدركت إمكانية تطوير أنظمة الحاسوب البدائية لما هو أبعد من مجرد حسابات الأرقام البسيطة.
وفي الصين، نُفيت “Xide Xie ” (١٩٢١-٢٠٠٠) خلال الثورة الثقافية، رغم كونها عنصرا أساسيا في تطوير فيزياء المواد الصلبة. أما روزا دينج-كانتز (١٩٥٦-٢٠٠٨)، كانت عالمة سنغالية، ومن أوائل العلماء الذين ادركوا أهمية الإنترنت، ووضعت تصورات لتطور الذكاء الصناعي وإدارة المعرفة.
تتفاعل الحركات النسوية منذ نشأتها مع النظام الأبوي للمعرفة، القائم على امتيازات الذكور، عن طريق تطوير وتنظيم خطط بديلة للاتصال. تنوعت هذه البدائل ما بين روابط للنساء، وصحافة نسوية، ومحطات إذاعية وأفلام. واليوم، تعيد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ووسائل التواصل الاجتماعي والأدوات الرقمية تشكيل عالمنا، بما في ذلك النشاط النسوي.
شهد منتصف التسعينيات من القرن العشرين مناقشات حادة بين النسويات، حول استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في النشاط النسوي وفي الأوساط الأكاديمية. بدأت الناشطات النسويات المعنيات بحقوق الاتصال في الترويج لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، عن طريق منصات مثل “SectionJ” في منصة بكين، ولجنة القضاء علي التمييز ضد المرأة (CEDAW)، ولجنة وضع المرأة (CSW)، والاتحاد الأفريقي. وبدأت المنظمات غير الحكومية في استخدام البريد الإلكتروني، والقوائم البريدية، وبناء المواقع الإلكترونية، وتعزيز قدراتها على دمج هذه الأدوات الجديدة في عملها.
ونشأت منظمات في أفريقيا معنية ببناء قدرات النساء في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مثل Women’s Net في جنوب أفريقيا، و(Women of Uganda Network (WOUGNET) في أوغاندا، و Linux Chix Africa.
كما نشأت شبكات تعاونية مثل: FLAMME (شبكة من النساء الأفريقيات ملتزمة بتعزيز قدرة النساء على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للترويج ومناصرة والمشاركة في عملية بكين +5). جمعت FLAMME و Women’s Net نساء من منظمات من جميع أنحاء أفريقيا، لتبادل المهارات، وبناء القدرات في إنشاء المواقع وإدارة قوائم البريد الإلكتروني.
أقر قطاع المعلومات والاتصالات للتنمية (ICT4D) بما أصبح يعرف بـ “الفجوة الرقمية “، ووفر إحصائيات تثبت يمكن لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات أن يصبح مجالا استقطابيا. ويعكس الانفصال بين العالمين “النامي” و”المتقدم” عدم المساواة في إتاحة الإنترنت. وتعزز الإحصائيات هذا التباين، إذ تشير إلي أن ٧٧٪ من الأفراد في الدول المتقدمة متصلين بالإنترنت، مقابل ٣١٪ فقط في الدول النامية.
وتعزز الفجوة الرقمية على أساس النوع (الجندر) أوجه عدم المساواة التي تواجهها النساء بالإضافة إلي التباينات بين العالم النامي والمتقدم. وفي أوائل الألفينيات أنشأت المجموعات المعنية بحقوق النساء في أفريقيا مساحات رقمية بديلة وشبكات نشطة ومبتكرة تتحدى احتكار السلطة والسيطرة على التكنولوجيات الحديثة من قبل الأمم الغنية والشركات التي يهيمن عليها الرجال، مدفوعات بإدراكهن أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قد أحدثت ثورة/تغير في إتاحة المعلومات.
أدي تطور تكنولوجيا الويب التفاعلي، ووسائل التواصل الاجتماعي إلي تحفيز مشاركة النساء رقميا. وأصبح التدوين طريقة شائعة تستخدمها النساء للكتابة، والمناقشة، والتعليق، والنشر الذاتي في نطاق واسع من القضايا. كما أصبح فيسبوك مساحة تواصل اجتماعي، وطريقة تستخدمها الناشطات النسويات للوصول إلى جمهور واسع بأقل تكلفة. كما مكنهن تويتر من مشاركة التحديثات من الاجتماعات والمؤتمرات لحظيًا، مع إضافة روابط لفيديوهات، ومواقع، وعرائض إلكترونية. وأصبح بإمكان الأشخاص غير القادرين على الوصول إلى المساحات السياسية المهمة التعليق وإضافة آرائهم. كذلك سهّل يوتيوب التحميل الفوري لمقاطع الفيديو، ما سمح للناشطات النسويات الموجودات على الخطوط الأمامية بتوثيق وعرض الانتهاكات، وغالبا ما تلتقطها وسائط الإعلام التقليدية.
تعتبر الهواتف المحمولة هي الأداة الرقمية والوسيلة الأكثر انتشارا لإتاحة الإنترنت حاليا في أفريقيا. وتشير الأبحاث أن استخدام النساء للتكنولوجيا أصبح ضخما، على الرغم من أن ملكية الرجال للهواتف المحمولة تفوق النساء في معظم البلدان. وفي مقال حول تكنولوجيات الهواتف المحمولة والسياسات النسوية، تطرح بريندا سانيا رؤيتها حول قدرة الهواتف المحمولة في كينيا على نشر النسوية والثقافات والمنتجات الثقافية، بحيث “تكشف عن تعقيدات هوية المرأة الكينية الريفية السمراء”، وتمكين المستخدمين من التأكيد على سيادتهن.
بينما تحذر كوتوما واكونوما في مقالها من التركيز على أداة تكنولوجية واحدة عند العمل على إتاحة الإنترنت للدول النامية. وتجد الكاتبة اشكالية في التركيز على الهواتف المحمولة كأداة للتطوير والمساعدة في بناء اقتصادات قوية ومحاربة الجوع، إذ ترى أن السياسات التنظيمية القوية مهمة لنمو اقتصادي مستدام، بما في ذلك مجتمع معلومات شامل.
وعقب “الصدام” الذي وقع في مسيرة جوهانسبرج للفخر عام ٢٠١٢ بين المنظمين/ات والنشطاء في مجال النوع (الجندر) مطالبين بالتضامن من أجل من استهدفتهم الاغتيالات من مجتمع الميم، تستكشف نيكس مكلاين كيف تعطي المساحات الرقمية الفرصة للمحادثات التي ربما لا تحدث بشكل مباشر بين الأفراد والمجموعات. وتمكنهم هذه المساحات من النقاش في أجواء من المجهولية والغطاء لمن لا يرغبون في التعرض للتدقيق العلني أو الهجوم.
في مشروع EROTICS (البحث الاستكشافي حول الجنسانية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات) تستكشف كارولين تاجاني وجاك إس إم كي عدد من القضايا المستجدة، وذلك بالتركيز على المجموعات الاجتماعية المهمشة، بما في ذلك العابرات والعابرون جنسيا (الترانس جندر)، والمجتمعات الكويرية (الخوراج). وتتناول الكاتبتان التعبير الجنسي، والجنسانيات، وممارسات الصحة الجنسية، مع التأكيد على الدور الذي تلعبه الحقوق الجنسية في استخدامات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كما يتتبع المقال المواقف الأخلاقية والثقافية المتحكمة في تنظيم المحتوى الجنسي علي الفضاء الإلكتروني.
ونشهد حاليا ظهور انقسامات جديدة، بالإضافة إلي الاحتمالات الثورية والإمكانيات الإبداعية لتكنولوجيا الاتصالات. يتفاعل الشباب الذين يولدون في عصر المعلومات مع الأدوات الرقمية، ويعيشون بطرق مختلفة عن الجيل “الأكبر”. وفي هذا الصدد، تقدم ديزيري لويس وتيجيست شيواريجا حسين ومونيك فان فورين ملاحظات نقدية حول التحديات بين الأجيال التي طرأت على وسائل التواصل الاجتماعي، مع لفت النظر إلي أن دمج عدد قليل من النساء في مراكز السلطة الهيكلية قد يضعف السياسات النسوية، خاصة إذا لم يهتممن بمناصرة مصالح النساء الأخريات. كما يناقشن مشروع رقمي يهدف إلى إشراك الطالبات في جامعة ويسترن كيب في جنوب أفريقيا، هُمشن على مدى طويل، بجانب الشابات من مجتمعات مهمشة اجتماعيا محيطة بالجامعة.
في مقال صحفي مستوحى من بحث الدكتوراه حول الإذاعة والنساء الريفيات في زيمبابوي، تقدم سيلينا مودفانهو ملاحظات إثنوغرافية من المشاركات في البحث، تتحدى المفهوم الشائع بأن تكنولوجيا الاتصالات الجديدة قد جعلت الإذاعة في أفريقيا وسيلة اتصال غير فعالة. وترى مودفانهو أنه بالرغم من انتشار تكنولوجيا الهواتف المحمولة بشكل واسع، إلا أن هذا لم يستبدل الإذاعة كأكثر وسيلة تواصل متاحة وقوية في القارة.
يعتبر خلق المساحات الآمنة والداعمة من أجل المتابعة، والنقاش، والخلاف، ومشاركة المعرفة عنصرا مهما للنشاط النسوي. لذا، تعد القوائم البريدية “مدرسة قديمة” نسبيًا وسط انتشار منصات التواصل الاجتماعي، إلا أنها في الأغلب الوسيط الأكثر تفضيلا لدى الناشطات في خلق مساحات على الفضاء الإلكتروني آمنة نسبيًا. وأحد الأمثلة على ذلك هي القائمة البريدية “دراسات الجندر والمرأة” في أفريقيا (GWS AFRICA)، التي أُنشأت عام ٢٠٠٢ قبل فترة وجيزة من إنشاء “فيمينست أفريكا” بهدف توفير منصة للناشطات والأكاديميات الأفارقة للمشاركة والتفاعل.
وتقدم ساريتا رانشود تحليلًا للردود علي قائمة GWS البريدية، التي عارضت “كيلوتات لأفريقيا Undies for Africa” الحملة التسويقية لشركة نيكتار لانجيري الكندية. تناقش ساريتا سياسات التواصل النسوية واستراتيجيات التغيير، بالإشارة إلي أن مثل هذه المساحات الافتراضية تعكس علاقات القوة التي تميز المنتج الفعلي غير الافتراضي. كما تصف بيلا هوانج الاستجابات السريعة على الفضاء الإلكتروني تجاه حملة “كيلوتات لأفريقيا” بأنها ثورة كيبورد Armchair Revolution، وتوثق تأثير الاستجابات الجماعية الغاضبة من قبل النساء الأفريقيات في جميع أنحاء العالم.
توضح أومي نيدايا أن خدمة الهواتف المصرفية “إم-بيسا” التي تستهدف المجتمعات الفقيرة في كينيا، قد جلبت النفع على النساء الفقيرات والريفيات. وتثني نيدايا على الحملة وتصفها بأنها “ثورية” – وإن كانت الكلمة هنا لا تحمل نفس المعنى الذي استخدمته رانشود. لكن نيدايا تعترف بالحاجة الماسة لمزيد من البحث لتقييم هذه الخدمة المصرفية بدقة.
تعتبر ” كيلوتات لأفريقيا” مثالا واحد فقط للإهانات التي ترعاها الشركات، والتي يمكن العثور عليها في الفضاء الإلكتروني، وتوضح كيف يعيد الإنترنت إنتاج أوجه الظلم الاجتماعي، والإقصاء، والعنف الموجودة في الواقع. تتراوح “المخاطر الرقمية” الأخري ما بين العنف الرقمي ضد النساء، والرقابة على معلومات الصحة الجنسية الضرورية التي يمكن أن تنقذ الأرواح.
إن مراقبي الإنترنت، ومن يريدون اختراقه والإيقاع بالآخرين، أكثر تأثيرا وانتشارا مما كنا نتخيل في القرن الحادي والعشرين. يستعرض كلا من دان كلونيه وواكونوما مشاكل الأمان الرقمي والطرق التي تبني بها الناشطات الأفريقيات القدرات داخل الحركات من أجل تأمين مساحتهن وأصواتهن من التهديدات الإلكترونية.
يؤكد جزء “المحادثات” الصدامي في العدد الثامن عشر من “فيمينست أفريكا” براعة النسويات في توظيف وسائل التواصل الاجتماعي للسعي إلى التغيير. أجرت حكيمة عباس مقابلة مع بيلسول غاثوني حول منصة Watetezi-Hak التي توثق الانتهاكات التي يتعرضن لها العاملات بالجنس وأفراد مجتمع الميم (LGBTIQ) في الأماكن العامة بكينيا. وفي الأغلب تظل معظم هذه الانتهاكات غير موثقة وغير مبلغ عنها. كما تتحدث جاين بينيت مع سالي-جين شاكليتون، المديرة الحالية ل SWEAT (فريق عمل لتعليم ومناصرة العاملات بالجنس، كايب تاون) حول عملها مع Women’s Net، أول مجتمع رقمي نسوي في جنوب أفريقيا، بينما تتحدث سيلينا مودافانهو مع ماجي مابونديرا من منظمة Just Associates، عن رؤيتها حول مكانة وسائل التواصل المعاصرة في سرد القصص.
وتقدم فيمنست أفريكا نبذة عن شبكة أسيكانا، وهي شبكة حيوية من النساء الشابات في صناعة تكنولوجيا المعلومات في زامبيا، وتتحدى “الصورة النمطية للذكور المنخرطين في التكنولوجيا”، وتصيغ مساحة للشابات والفتيات لرسم مساراتهن الوظيفية في مجال التكنولوجيا. كذلك يقدم العدد نبذة عن إنكانيسو، وهي مساحة رقمية ومجتمع للناشاطات الكويريات في جنوب أفريقيا، والتي لا يزال العنف المبني على رهاب المثلية منتشرا فيها.
تستمر النسويات في أنحاء أفريقيا في المشاركة الرقمية بطرق تدعم الإبداع، والنشاط السياسي، والصلات الاجتماعية، والمتعة، والتغيير، والانتقال الاستراتيجي إلى الفضاء الافتراضي، وذلك بطرق – مثل فيمينست أفريكا – تضمن استمرارية الأصوات والرؤى المطالبة بحقوق المرأة.
المصدر:
www dot opendemocracy dot net