10/09/2023

الحرب... إعادة ترسيم الكُنتور الوطني

خالد ماسا

ونقرأ الآن في السطر الخامس من مُجلّد الحرب في السودان والمكتوب بحبر الخراب ودم الشعب السوداني الذي لم ينج منه أحد من سياطها سواء بالموت بالرصاص أو سلب ونهب الممتلكات والاغتصاب أو التشريد بنار النزوح داخل الوطن أو جحيم اللجوء خارجه.

تلك هي خسائرنا حتى هذه الصفحة من الحرب التي سنرث في آخرها سودان مصاب بكسور مركبة في الخاطر الوطني، بسبب مصائب تصنعها الحرب ولم نواجهها بشكل واضح حتى الآن.

الكل الآن مشغول بمعركة تعريفات النصر والهزيمة وتقسيمات معسكري الحق والباطل، بينما يدخر لنا مستقبل ما بعد الحرب اكتشاف الخسائر الكبرى للوطن في نظامه الصحي الذي دخلت عليه الحرب وهو بالكاد يلتقط أنفاسه، بعد أن امتحنته جائحة الكورونا فسقط في الامتحان واجهزت عليه قلة الصرف من الموازنة العامة.

الداعمين لاستمرار الحرب يضعون ماحدث للنظام الصحي في السودان في كوادره المؤهلة ومواعينه الصحية، على ضعفها، والاستثمار فيه على قلته في خانة الخسائر الجانبية للحرب، وأنه لاضير في أن تتحول صفوف انتظار غسيل الكلي أعطاهم النظام الصحي أو منعهم، إلى صفوف انتظار الموت لعلها أكثر رحمة من الذي كان.

لغة الحرب وهيجانها المستخدم في شاشات عرض تطبيقات التواصل الاجتماعي هي الأكثر جذباً من الذي تعرضة القنوات على شاشاتها عن أحوال السودان على شريط الحدود مع دولة تشاد، يقتاتون الحشرات وأوراق الشجر، يتباطأ عليهم المجتمع الدولي ومنظماته ويعرضون أنفسهم ملائكة للرحمة.

تفتح غُرف الصدى أبوابها وتقول هل من مزيد لناشري خطاب الكراهية وخطاب الحرب وابتزاز خطاب الوعي والتنوير الداعي لإخماد نار الحرب، الشيء الذي يسمم الفضاء العام ويوسع من رقعة الحرب ويزيد من خسائر الوطن العامة فتهاجر عقول وسواعد من حملة الشهادات والمؤهلات والخبرات لتبحث عن الحياة في أراض أخرى وتبني أوطانا جديدة.

بعد هذه الحرب كم ستحتاج هذه البلاد حتى تستعيد ثقة الرأسمال الوطني وتقنعه بالعوده مرة أخرى لمحاولة المساهمة في استعادة روح الاقتصاد الوطني التي أجهزت عليها الحرب، وكم يلزمنا لنقنع العالم بأن مناخ الاستثمار في الاقتصاد السوداني مناخ جاذب لأصحاب الأموال والشركات العالمية، وأن عليهم تحمل جزء من مسؤولية استعادة روح الاقتصاد في ظل ظروف طاردة جعلت هذا البلد هو الأقل فرصة في الاستثمار من بين كل دول الإقليم.

إن توقفت الحرب الآن، ولم تمض لمنافسة أرقام حروب أخرى شهدها العالم، سيكتشف دعاتها بأن عملتنا الوطنية وعماد اقتصادنا قد إنهارت تماما بفضل ضربة الحرب القاضية الفنية، وأن حالها قبل الحرب على علاته التي نعرفها سيكون رفاهية لانستطيع أن نحلم بها بعد التعطل الكامل لعجلة الإنتاج في هذا البلد وتوقف حركة الصادر بمساهماتها الخجولة في معادلة موقف عملتنا الوطنية أمام غول العملات الأجنبية.

بيئة الحرب ليست البيئة الملائمة لمناقشة معادلات التوزيع العادل للسلطة والثروة في السودان، بل هي تضيف لهذه المعادلة المزيد من التعقيدات التي تجعل الأمر صعباً، إن لم يكن مستحيلاً.

تعقيدات من فصيلة تلك التي يصنعها الاصطفاف القبلي والجهوي واعتماد معايير مختلة في ترسيم كنتور توزيع الموارد لا علاقة لها بالمعالجات الحقيقية لجذور أزمات الاقتصاد الوطني ولا بمخاطبتها بروشتة حلول تعوّض مواطن هذا البلد مافاته من تنمية وترفع نصيبه من الدخل القومي.

أي يوم جديد نمضيه في ظل الحرب يُباعد بيننا وبين إمكانية قدرة الشرط الوطني في توفير حلول لهذه الأزمة، مايعني استدعاء لجراحات يستخدمها المجتمع الدولي في مثل هذه الحالات، ونحن في غنى عنها.

بحال الحرب التي نحن فيها يجب ألا نستجيب لضغوطات التعريف والتحليل الرغائبي لخطاب إيقاف الحرب والذي يذهب بنا لمظان الإنحياز لطرف دون الآخر أو لقطع طريق انتصار متخيل، وأنه يجب أن يُفهم بأن خطاب السلام هو خطاب يسأل إدراك ماتبقى من الوطن والمواطنين وأنه خطاب لايُغادِر الثوابت الوطنية في وحدة مؤسساته التي يُسميها الدستور ويحدد مسؤوليتها ومهامها وهو خطاب لايدعو بالضرورة لخياطة هذا الجرح الوطني على صديد الإفلات من العقاب على جرائم الحرب والانتهاكات، ولاهو منطقة للحياد السلبي تمشي فيها التكتيكات السياسية بحسب مؤشرات المصلحة.

الذي مضى من عمر الحرب في السودان كاف جداً لأن يجعل من خطاب إيقاف الحرب هو خطاب وضوح الرؤية لمسارات استعادة الحياة في السودان وتقليل التكاليف التي يدفعها الوطن بسبب الحرب، والتي بالضرورة ليست مالية فقط، ولا تتوقف آثارها على المدى القريب، بل توفر كل ما يعيق مسيرة الوطن للحاق بركب الأوطان في التنمية ورفاهية الشعوب.

معرض الصور