23/09/2023

هل تصبح مصر وطنا بديلا للسودانيين الفارين من جحيم الحرب؟

عبدالرحمن العاجب

أجبرت حرب أبريل المدمرة الآلاف من السودانيين على الفرار واللجوء إلى دولة مصر. وتشير آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة في شهر سبتمبر الحالي إلى أإن عدد السودانيين الذين لجأوا إلى مصر منذ 15 أبريل وحتى الآن بلغ أكثر من 280 ألف لاجئ سوداني، فيما بلغ إجمالي عدد طالبي اللجوء السياسي للوافدين من السودان ( 1.007.116) وتقدر بعض الإحصائيات غير الرسمية عدد السودانيين المتواجدين في مصر بأكثر من 5,5 مليون سوداني.

وبالنظر إلى اتفاقية الحريات الأربع فإننا نجدها قد مرت قبل التوقيع عليها بمراحل عدة، تحت تسميات مختلفة على طول التاريخ السياسي للسودان بعد استقلاله، ولمصر بعد تحولها من ملكية إلى جمهورية، وفي الواقع لم تتغير الأسس التي قامت عليها الاتفاقية عند إحيائها في كل حقبة زمنية، كما لم تتغير الأهداف وإن تغيرت الظروف المؤثرة على فاعليتها.

وبالعودة للوراء قليلاً، وفي عام 1995 تأزمت العلاقات السودانية المصرية بعد محاولة اغتيال حسني مبارك في أديس أبابا، ثم ظلت مصر تراقب العلاقة بين البشير والشيخ حسن الترابي وتنظيمه وقتها، إلى أن حدثت المفاصلة الشهيرة عام 1999م وبفضل ذلك الانقسام وضع حد للتوترات، وكانت بداية عهد جديد في العلاقات السودانية المصرية إلى أن وصلت إلى شراكة استراتيجية تم فيها إحياء مشروع التكامل وتوقيعه في عام 2004م بالقاهرة، ونص الاتفاق على حق التنقل والإقامة والعمل والتملك.

وبعد توقيع اتفاقية نيفاشا للسلام عام 2005، أحست مصر بأن تفعيل أجهزة التكامل التي أرسيت من قبل بمشروعات الأمن الغذائي، يمكن أن تشهد قفزة كبيرة وتسد حاجة البلدين، وغلبت الطابع الاقتصادي على سواه، خصوصاً أن المشروع تخفف من الهواجس الأمنية التي سيطرت عليه منذ عهد السادات، فشكل البلدان لجنة للتنفيذ والمتابعة.

وفي أعقاب أحداث (ثورات الربيع العربي) بدا أن النظامين اللذين تأسسا على (الإسلام السياسي) يمكن أن يتفقا ويزيلا كل الخلافات القديمة في سبيل تحقيق مشروع التكامل في الواقع، ولكن ما حدث أن القاهرة طالبت في فبراير 2013م بإجراء تعديلات على المشروع الأولي لاتفاقية (الحريات الأربع) بين البلدين، مما أثار انتقادات الخرطوم.

وتضمن التعديل أن يكون حق التملك للمصريين في السودان بلا قيود، بينما ملكية الأراضي للسودانيين في مصر وفق قانون (الحكرة)، وهو يعني أن تكون فترة انتفاع السودانيين بالأراضي المصرية لفترة زمنية لا تتجاوز (10) سنوات حتى يصلوا إلى حق التملك، وذلك حتى تضمن مصر استثمار أراضيها أولاً قبل تمليكها.

وفي ما يتعلق ببند التنقل بين مواطني البلدين فإن التعديل جاء بمنع دخول السودانيين إلى الأراضي المصرية للذين تتراوح أعمارهم بين (18 و49 عاماً) إلا بالحصول على تأشيرة مسبقاً، بينما تسمح السلطات السودانية للمصريين من جميع الأعمار بالدخول إلى السودان من دون تأشيرة.

وعلى رغم مضي ما يقارب الثلاثة عقود تقريباً منذ توقيع اتفاقية (الحريات الأربعة) بشكلها الأخير وفق بنود واضحة بين السودان ومصر، فإن المقدرة على تنفيذها لا يزال محل شك بالنسبة إلى السودان الذي يرى أن السودانيين لم يستفيدوا منها بالشكل الأمثل، وأن القيود التي يضعها الجانب المصري على السوداني، تتناقض مع مبدأ (المعاملة بالمثل) فيما يرى الجانب المصري أن الاتفاقية أوفت بالتزاماتها، رغم ما رافق فتراتها الزمنية من توترات تعوق التنفيذ، ولكن لا تلبث أن تستأنف بعد فترة وجيزة.

وفي الواقع ينظر الجانبان إلى الاتفاقية من الناحية التي تناسبهما، إذ إن تقديرات السودان ومصر، مبنية على خلل في التنفيذ إضافة إلى عدم تناسق في الاستفادة الكاملة من البنود، ففي الوقت الذي قطع فيه حق التحرك والانتقال والإقامة شوطاً كبيراً من التنفيذ، هناك خلل في تنفيذ حق العمل والتملك، وهو ما حاول الاتفاق الأخير معالجته بالتوازن في التنفيذ ومساواة البنود.

وبالنسبة للمعوقات التي تقف في وجه التنفيذ الكامل، وتعيده إلى وصفه بأنه ليس بالكفاءة المطلوبة، فمنها أنه ربما تحيط بالتنفيذ عقبات إدارية نظراً إلى البيروقراطية التي تحيط بالعمل الحكومي، وهناك أيضاً التناوش الإعلامي من معارضين للخطوة في البلدين، إثر تصاعد أزمة حلايب وشلاتين من وقت لآخر، إذ لا تزال القضية معلقة بقضية أكبر هي ترسيم الحدود بين البلدين.

ويرى البعض أن (الحريات الأربع) هي نسخة أخرى من (ميثاق التكامل) القديم الذي لم تتوفر فيه الشروط التي تضمن نجاح أي مشروع وحدوي، الذي يجب أن يقوم على أسس متينة تستوعب التغييرات السياسية في البلدين، والقضايا المتشعبة مثل قضية سد النهضة.

بينما يرى تيار آخر أن الاتفاقية تسير في الاتجاه الصحيح لأن الحماية متوفرة لها بأكثر من الوثيقة السابقة، واستطاعت أن تخلق قاعدة جماهيرية من شعبي البلدين، حريصة على تطبيق بنود الاتفاق حتى في ظل الخلافات والتوترات بين حكومتيهما.

ولكن بعد أن أجبرت حرب أبريل المدمرة الآلاف من المواطنين السودانيين على الفرار من جحيم الحرب واللجوء إلى دولة مصر.. يبرز سؤال أساسي ومحوري وهو، وفقاً لاتفاقية الحريات الأربع: هل ستصبح مصر وطنا بديلا للسودانيين الفارين من جحيم الحرب؟

معرض الصور