23/09/2023

الممكن والمستحيل في تكوين حكومة مؤقتة في زمن الحرب في السودان (2ـ3)

د. سامي عبد الحليم سعيد

من الصعب تكوين حكومة مؤقتة مستقلة في السودان في ظل ظروف الحرب، بدون تحديد موقف مسبق حول مدى قابلية أو عدم قابلية تطبيق أحكام إتفاقية جوبا للسلام. ومن سخرية الأقدار، إن السلطة التي وقعت على إتفاقية سلام جوبا قد انهارت بانقلاب 25 إكتوبر 2021، وبالاطاحة بالحكومة الانتقالية والغاء الدستور، وإن المسؤول الحكومي الذي وقع بالنيابة عن الحكومة المركزية قد شن حرباً على الجيش القومي، بما يدلل أن كل معطيات العملية السياسية التي كانت تقوم عليها الحكومة الانتقالية قد تبدلت تماماً، ومازال الموقعون على إتفاقية جوبا من الحركات المسلحة يريدونها أن تكون قائمة دون تغيير أو تعديل. هل سيساعد ذلك في تكوين حكومة متفق عليها ونزيهة ومحايدة في ظل الظروف الحالية؟ ـ سؤال كبير يحتاج إجابة موضوعية.

1. نظرية الظروف الاستثنائية:

حيث أن نظرية الظروف الاستثنائية تعد استثناءاً او قيداً يرد على مبدأ المشروعية والنتائج المترتبة عليها، وتستمد نظرية الظروف الاستثنائية مدلولها أن أمن وسلامة الأمة أهم من حريات الافراد. في حالة الضرورة تتخذ السلطة التنفيذية بعض القرارات الاستثنائية والتي تكون مشوبة بعيب الاختصاص الذي يتجسد في ممارسة السلطة التنفيذية لمهام وإختصاصات تشريعية، أو تقوم بأداء أعمال مشوبة بعيب مخالفة القانون حيث تعد مثل هذه القرارات إنحراف بالسلطةAbus of Power عن أهدافها المحددة في الدستور. وبرغم مخالفتها القواعد العامة التي تحكم تصرفات السلطات العامة في الظروف العادية، إلا أن الدستور يجيزها في الظروف الاستثنائية متى كانت لازماً لحماية البلاد من خطر داهم وكانت التصرفات ضرورية ومتناسبة مع حجم ونوع الضرر المتوقع.

للظروف الاستثنائية تأثير واضح على تطبيق أحكام الدستور، وكذلك تأثيرعلى الوضع السياسي في الدولة. حيث يتبين لنا مما سبق أن السلطة التنفيذية وعند قيامها بالاجراءات واتخاذها القرارات اللازمة لمواجهة الظروف الاستثنائية، تتجاوز الاختصاص الممنوح لها في الدستور وتمارس سلطات ليست من إختصاصاها. بعض الدساتير عادة ما تخول السلطة التنفيذية، ممارسة سلطات خارج إختصاصها سلطة بهدف حفظ النظام العـام وضـمان سـير المرافق العامة بانتظام وإطراد. ورغم أن مجلس الدولة الفرنسي قد اعتبـر أن مقتضيات هذه المشروعية للظروف الإستثنائية تتجلى في سلطات الحرب. إلا أن سلطات الحرب ليست سوى أحد مظـاهر التطبيق للنظرية العامة للظروف الإستثنائية والتي تتضمن كل ظرف طارئ و شاذ، وهي بذلك، تشمل ظروف الحرب، إلا أنها تعتبر أوسع نطاقاً من نظرية سلطات الحرب. وبالتالي نظرية الظروف الاستثنائية التي تطبقها الدولة في حالة تعرضها إلى ظروف غير اعتيادية لتامين انتظام المرافق العامة، تبرر إنتاج حكومة مؤقتة لإدارة الأزمة لحين استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد. وتطبيق نظرية الظروف الاستثنائية لا يعفى الحكومة من المراقبة، فعلى الإدارة تفعيل نظم الرقابة المختلفة لضمان التزام الإدارة بأحكام المشروعية وعدم الاستبداد و التعسف في استخدام الظروف الاستثنائية.

لم تنص الوثيقة الدستورية لعام 2019 في السودان على مادة منفصلة للظروف الاستثنائية. نصت المادة 41 من الوثيقة الدستورية على الظروف الاستثنائية كجزء من حالة الطوارئ، والتي تتمظهر في الخطر على سلامة ووحدة البلاد و المواطنين، والتي تقتضي إجراء وتدابير بواسطة مجلس الوزراء قد تتضمن تعليق العمل ببعض الحريات الواردة في الوثيقة الدستورية بعد التشاور مع مجلس السيادة. والمادة 41 مادة ضعيفة وغير منضبطة ولا تعمل بفعالية على حماية الدستور. والحال على عكس ذلك في الدستور المصري لعام 1971 الذي أعطى الظروف الاستثنائية الكثير من الاهتمام بالمزيد من النصوص التفصيلية التي تضمن عدم اللجوء إلى الظروف الاستثنائية كمبرر لتصرفات الحكومة إلا بعد تحقيق توافق واسع حولها. تتخذ التدابير الاستثنائية بقرار من رئيس الجمهورية وبعد التشاور مع مجلس الوزراء ومجلس الشورى وإجراء إستفتاء شعبي بعد شهرين من إعلان تطبيق الاجراءات الاستثنائية.

الحلقة الثالثة: خيارات تكوين حكومة مؤقتة في السودان في زمن الحرب

في هذا الجانب من هذه الورقة، نبحث في الخيارات الممكنة لتكوين حكومة مؤقتة، في ظروف الحروب والاضطرابات السياسية، التي استخدمتها التجارب الدستورية في البلدان المختلفة، أو حتى تلك التي تم استخدامها في السودان في وقت سابق. ويشمل البحث في تلك الخيارات، دراسة الشروط الدستورية، والظروف السياسية التي تستدعي تكوين الحكومة المؤقتة، مع إستعراض مختصر للتجارب التي إستخدمت النموذج قيد الدراسة. فيما يلي، نبحث النماذج التالية: حكومة الطوارئ، حكومة الانقاذ الوطني أو حكومة الوفاق الوطني، حكومة تصريف الأعمال، حكومة المنفى، حكومة الظل، والحكومة التي تتكون بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة. نستعرض مفهوم كل نموذج من نماذج تكوين الحكومة وبعد ذلك نقدم ملخص خاص بمدى إمكانية تطبيق النموذج موضوع التحليل على الحالة السودانية، وذلك وفق التفصيل أدناه:

أولاً: حكومة الطوارئ The Government of Emergency:

في أحوال متباينة، تتعرض الحكومة في النظم البرلمانية والرئاسية إلى الحل بواسطة السلطة ذات الاختصاص، وفي ذلك قد يتم حل الحكومة أما بواسطة البرلمان كما في ظل النظام البرلماني، أو بواسطة رئيس الدولة كما في حالة النظام الرئاسي. وفي هذا الصدد تسعى السلطة ذات الاختصاص في تكوين حكومة طوارئ للقيام بالمهام العاجلة إلى حين تكوين حكومة وفق الإجراءات الدستورية المعهودة. وتتعدد اسباب حل الحكومة، كما تتعدد أسباب تكوين حكومة الطوارئ.

الثابت أن الظرف الطارئ هو مناط تكوين حكومة الطوارئ. في خضم الظروف الاستثنائية التي واجهتها الدول في العالم، بما في ذلك ظروف الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة، طور مجموعة من الخبراء، والمسؤولين العاملين في مكاتب حكومية مرتبطة بمراكز صنع القرارات في المستويات العليا للدولة، فهماً جديداً للأمة باعتبارها مجموعة معقدة من الأنظمة الحيوية والهشة والتي بسبب عدم فعالية إدارتها قد تقود إلى انهيار الدولة أو زوالها. لذا عكفوا على اختراع الأجهزة التقنية والإدارية للتخفيف من ضعف الأمة، ونظموا شكلاً مميزاً من حكومة الطوارئ التي من شأنها أن تجعل من الممكن الاستعداد لاي ظروف طارئة، ويمكنهم من إدارة الدولة في ظل الأحداث الكارثية المحتملة. وبالتالي كانت (حكومة الطوارئ) مفهوم تم توليفه بواسطة مراكز صناعة القرارات في الدولة لمواجهة ظروف ضعف الدولة من الداخل وحمايتها من الانهيار.

إن مصطلح حكومة الطوارئ، ملتبس وغير واضح ويتداخل مع تعريفات أخرى. وفي السياق السوداني الحالي، تم تداول مصطلح حكومة الطوارئ بمعنى تكوين سلطة تنفيذية مؤقتة لمواجهة الظروف الإستثنائية. تلجأ الحكومات في ظروف الكوارث الطبيعية والحروب، إلى تغيير أهدافها وبرامجها، وتكتفي بحصر وظائفها في مواجهة الظروف الطارئة، وبالتالي يتم تغيير اسم الحكومة الى اسم حكومة الطوارئ، لكونها تتولى مهام الطوارئ بشكل أساسي، لذا يطلق عليها أحياناً حكومة الازمات. وفي هذه الحالة قد تصدر قوانين وتدابير مؤقتة تساعد حكومة الطوارئ في القيام بمهامها.

مسالة حل الحكومة القائمة، كلياً او جزئياً، وتكوين حكومة طوارئ، هي مسألة دستورية يكون من السهل مباشرتها ومراقبتها في حالة وجود نصوص دستورية واضحة، بخلاف ذلك تكون الإجراءات تفتقر إلى الإسناد الدستوري. هذا الافتراض يحتم وجود حكومة بالفعل عند حدوث حالة الطوارئ. يتم تكليف حكومة الطوارئ بواسطة سلطة سيادية للقيام بمهام المرحلة الطارئة، وأحياناً يتم تكليف وزراء ووكلاء بالوزارات للقيام بمهام حكومة الطوارئ.

لا نجد في الدساتير السودانية نص واضح وصريح عن تكوين حكومة طوارئ في زمن الحروب والأزمات. على الرغم من ذلك يسهل الاستنتاج إنه في زمن الأزمات تقرر الدساتير السودانية تدابير حكومية لمواجة الظروف الطارئة. نصت الفقرة (ب) من المادة 211 من دستور السودان عام 2005 على أنه يجوز لرئيس الجمهورية، بموافقة النائب الأول، أثناء سريان حالة الطوارئ أن يتخذ بموجب القانون أو الأمر الاستثنائي، أية تدابير لا تقيد، أو تلغي جزئياً، أو تحد من آثار مفعول أحكام الدستور واتفاقية السلام. ولكن يجوز له، ضمن أمور أخرى، أن يقوم بـ حل أو تعليق أي من أجهزة الولايات، أو تعليق أي سلطات ممنوحة للولايات بموجب هذا الدستور، ويتولى رئيس الجمهورية بموافقة النائب الأول، (تصريف مهام تلك الأجهزة)، ويمارس السلطات أو يقرر الطريقة التي يتم بها تدبير شئون الولاية المعنية. ومن هذا النص نفهم ان لرئيس الجمهورية سلطة قيادة حكومة تصريف أعمال، أثناء فترة الطوارئ. على العكس من ذلك، نصت المادة 41 من الوثيقة الدستورية لسنة 2019 على سلطة مجلس الوزراء في إعلان حالة الطوارئ في البلاد. وقررت المادة على إنه وفي حالة وصول الحالة الاستثنائية درجة تهدد سلامة الأمة، يجوز لمجلس الوزراء بالتشاور مع مجلس السيادة، تعليق جزء من وثيقة الحقوق الواردة في هذه الدستور. أجازت الوثيقة الدستورية لسنة 2019 تعليق جزء من وثيقة الحقوق، لكنها لم تتطرق إلى تعليق الاحكام الدستورية المنظمة لعمل المؤسسات الدستورية. ومن ذلك، نجد أن المادة لم تمنح بصورة واضحة رئيس الوزراء سلطة تكوين حكومة طوارئ ولا حكومة تصريف الاعمال.

ملخص ما جاء في أعلاه، أنه لا توجد في الدستور السوداني أي إشارة لا من قريب أو من بعيد إلى حكومة طوارئ وإنما تحدث الدستور عن حالة الطوارئ كما بينا في أعلاه. وقد يذهب بعض شُراح القانون الدستوري إلى أن الحكومة التي تقوم بالمهام الاستثنائية والطارئة تكون وفق المعني السياقي، هي حكومة طوارئ.

هل يصلح تطبيق خيار حكومة طوارئ في السودان؟

في الظروف السياسية الراهنة، ومع إستمرار الحرب، ومع غياب الإطار الدستوري المنظم لعملية تكوين حكومة طوارئ مدنية، سيكون من الصعب إنشاء حكومة مدنية فعالة وكفؤة و قادرة على مقابلة إلتزامات الدولة في تقديم الخدمات العامة كما ينادي بذلك بعض أصحاب المبادرات المدنية لايقاف الحرب واستعادة المسار الديمقراطي في السودان. وفي فصل لاحق من هذه الدراسة سنتطرق للمحددات الدستورية والسياسية والامنية التي تقف حائلا دون تكوين حكومة مدنية تتولى مهام السلطة التنفيذية في زمن الحرب الراهنة في السودان. قد يرشدنا القياس وتفسير العرف الدستوري، إلى أن تقوم سلطة الأمر الواقع، ورئيس مجلس السيادة فيها، بتكوين حكومة طوارئ تُعينه في إدارة مؤسسات الدولة أثناء الحرب، تعمل على تحشيد الإرادات والموارد والمواطنين من أجل تحقيق أهداف الحرب. وبالتالي، لا تحقق الغرض الذي نادت فيه المؤسسات المجتمعية في مبادراتها بتكوين حكومة طوارئ من كفاءات وطنية مستقلة عن الأطراف المنخرطة في الحرب تقوم بإدارة المرافق الحكومية وتقدم الخدمات العامة.

ثانياً: حكومة تصريف الأعمال Caretaker Government:

(حكومة تصريف الأعمال) أو (حكومة تسيير الأعمال) هي حكومة مؤقتة ناقصة الصلاحية لأغراض تصريف أعمال الحكومة خلال فترة زمنية قصيرة. تنحصر مهام حكومة تصريف الاعمال في ملء الفراغ التنفيذي في الدولة، الناجم عن حل الحكومة أو سحب الثقة منها بواسطة البرلمان. في بعض الأوقات قد تتأسس حكومة تصريف الأعمال خلال مرحلة لاحقة للانتخابات وسابقة لتكوين الحكومة عبر البرلمان، أو أي ظرف طاريء آخر حال دون تكوين حكومة جديدة، أو تأخرتكوينها. ومهام حكومة تصريف الأعمال تنحصر في المحافظة على استمرار العمل الروتيني للحكومة وتصريف أعمالها لا سيما الجانب المتصل منه بالخدمات العامة. ولا يحق لحكومة تصريف الأعمال البت في الأمور السياسية أو إجراء تصرفات دستورية حساسة. ونجد تطبيق تجارب حكومة تصريف الأعمال بشكل واضح في النظم الدستورية التي تتبع نظام الحكم النيابي البرلماني. ولتمييز حكومة تصريف الأعمال عن الحكومات المؤقتة الاخرى، تصف عبارة حكومة تصريف الأعمال الحكومة التي تقوم بمهام مقيدة موضوعياً وزمانياً. وبحسب تجربة المملكة المتحدة تتشكل حكومة تصريف الأعمال بسبب تأجيل إنعقاد الانتخابات أو تأجيل إعلان نتائجها، أو لأن الحكومة قد تم حلها بسبب سحب الثقة بواسطة مجلس العموم. وتم تنظيم قواعد إنشاء وعمل حكومة تصريف الأعمال في المملكة المتحدة حديثاً في عام 2011 بتضمينها في دليل أعمال مجلس الوزراء. وحسب النظام البريطاني حكومة تصريف الأعمال حكومة مؤقتة زمانيا، ومحددة من حيث الاختصاصات. وقد شهدت لبنان تجربة واضحة لتكوين حكومة تصريف الأعمال، خلال الفترة السابقة.

ضمان استمرارية المرفق العام، هو المبرر لتكوين حكومة تصريف الاعمال في الظروف الاستثنائية. وضمان إستمرار المرفق العام تقتضيها حقوق المواطنين و المصلحة العامة. من المهم أن يتحسب واضعو الدستور منذ البداية لضرورة وضع أحكام دستورية تسد الفراغ المحتمل في السلطة التنفيذية. فقد نص الدستور اللبناني على انه في حالة استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة، تستمر في تصريف الاعمال، ريثما يتم إنتخاب أو تشكيل حكومة جديدة خلال مدة زمنية محددة. نص الدستور اللبناني على ان الوزارات تكتفي فقط بالنشاط والذي يدخل في مفهوم تسيير الشؤون الضرورية ذات الصلة بالمصلحة العامة، دون اتخاذ قرارات من شأنها تحميل الحكومة مسؤولية سياسية. و تتكون حكومة تصريف الاعمال بموجب الدستور اللبناني من نفس الوزراء الذين انتهت مدة خدمتهم بحل الحكومة أو بسحب الثقة، بحيث يتم تكليفهم بالاستمرار في تقديم الخدمات الإدارية اليومية والروتينية لمدة قصيرة قد تصل الى شهر واحد او شهرين إلى حين تكوين حكومة جديدة.

لا نجد في الدساتير السودانية نصوص واضحة خاصة بتكوين حكومة تصريف الاعمال. نصت المادة 38 من دستور السودان لسنة 1964 على تعريف مختصر وبسيط لمصطلح تصريف اعمال الحكومة، بالقول أن أعمال الحكومة هي كل عمل تنفيذي لحكومة السودان . يصدر مجلس الوزراء قواعد لتصريف أعمال حكومة السودان بأيسر السبل ولتوزيع هذه الأعمال بين الوزراء. وكان دستور 2005 قد تحدث في مادته 2011 الفقرة (ب) عن تصريف اعمال الاجهزة الحكومية خلال فترة حالة إعلان حالة الطوارئ بالنص على انه يجوز لرئيس الجمهورية، بموافقة النائب الأول، أثناء سريان حالة الطوارئ أن يتخذ بموجب القانون أو الأمر الاستثنائي، أية تدابير لا تقيد، أو تلغي جزئياً، أو تحد من آثار مفعول أحكام الدستور واتفاقية السلام. ولكن يجوز له، ضمن أمور أخرى، أن يقوم بـ حل أو تعليق أي من أجهزة الولايات، أو تعليق أي سلطات ممنوحة للولايات بموجب هذا الدستور، ويتولى رئيس الجمهورية بموافقة النائب الأول، (تصريف مهام تلك الأجهزة)، ويمارس السلطات أو يقرر الطريقة التي يتم بها تدبير شئون الولاية المعنية.

مع غياب النص الدستوري، لا نجد في التجربة الدستورية السودانية ممارسة واضحة لحكومة تصريف الاعمال كما أن الفقه الدستوري السوداني لم يقدم إية مساهمة يمكن الاطلاع عليها بهذا الخصوص. لكن من خلال الوقائع قد نجد حكومات قد أنشئت لسد فراغ في السلطة التنفيذية وللقيام بمهامها على نحو طارئ. من بين ذلك ان يتم تكليف وكلاء الوزارات بالقيام بمهام الوزراء الى حين تشكيل حكومة، وهذا ما تم تطبيقه بعد عودة دكتور عبد الله حمدوك للحكومة الانتقالية بعد انقلاب 25 إكتوبر بعد توقيع الاتفاق السياسي بين قيادات الجيش والدعم السريع مع رئيس الوزراء المعزول في نوفمبر2021 لاستمرار الفترة الانتقالية وإلغاء التدابير العرفية التي اتخذها قائد الجيش. وكان رئيس الوزراء قد كلف وكلاء الوزارات لتصريف أعمال الحكومة إلى حين تكوين الحكومة بتعيين وزراء جدد، لكن الوثيقة الدستورية لسنة 2019 لا تنص على أحكام خاصة بتكوين حكومة تصريف الاعمال.

بحسب التجربة في المحيط العربي، نجد انه تجنّباً للأخطار والمحاذير التي تنشأ عن الفراغ في السلطة التنفيذية، جرى العرف الدستوريّ على أن يكلّف رئيس الجمهورية الوزارة المستقيلة بالبقاء في الحكم إلى أن تتألف الوزارة الجديدة، ويحدّد نطاق أعمالها بما يسمى “تصريف الأعمال العادية”. وقد أصبح هذا العرف مبدأ أصيلاً من مبادئ القانون العام واجب التطبيق في حالات فقدان الوزارة كيانها الحكوميّ المشروع، ومن بينها حالة الإستقالة. من التجارب الحديثة في ذلك، تجربة حكومة تصريف الاعمال في لبنان في عام 2022 بعد استقالة حكومة ميشيل عون. و تجربة حكومة تصريف الاعمال في العراق في نفس العام 2022 التي كان يقودها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

أحدث تجربة لحكومة تصريف الاعمال كانت في باكستان في هذا العام 2023. وبموجب الدستور الباكستاني، بعد انتهاء فترة الحكومة أو حلها، يتم تشكيل حكومة تصريف أعمال بالتشاور مع رئيس الوزراء المنتهية ولايته وزعيم المعارضة. وكان في منتصف شهر أغسطس قد أدى أنور الحق كاكار، عضو مجلس الشيوخ السابق عن إقليم بلوخستان، اليمين الدستورية كرئيس لحكومة تصريف الأعمال التي ستشرف على الانتخابات البرلمانية المقررة دستوريا في غضون 90 يوما.

مهام حكومة تصريف الاعمال:

مهام حكومة تصريف الاعمال قد تكون محدد في الدستور ـ او في لائحة تنظيم اعمال مجلس الوزراء كما في حالة المملكة المتحدة، وقد يتم تحديدها بواسطة البرلمان كما هو الحال في هولندا. ولانها ترتيبات مؤقتة ـ لا يجوز ان تتضمن مهام حكومة تصريف الاعمال أي مهام ذات طابع استراتيجي. لذا دائما ما تتلخص مهام حكومة تصريف الاعمال في الاعمال الإدارية والتنظيمية والروتينية ولا تتعداها الى رسم السياسات المستقبلية الجديدة. ليس من حقّ حكومة تصريف الاعمال اقتراح القوانين، أو عقد القروض أو التعيين في المناصب العليا للدولة، أو الإعفاء منها، أو إعادة هيكلة الوزارات.

من المهم جداً ان ينص الدستور على إجراءات تكوين حكومة تصريف الاعمال، وعلى مهامها، ومدة إستمراريتها. و بموجب النصوص الدستورية المنشأة تكون حكومة تصريف الاعمال ناتجة عن تفويض من سلطة شرعية. وتقوم بممارسة مهامها بصورة واقعية وفعلية باعتراف المكونات الدستورية والمجموعات السياسية المسيطرة على مؤسسات الحكم في البلاد.

هل يصلح تطبيق حكومة تصريف الأعمال في السودان؟

برغم غياب النص الدستوري، وإستناداً على العرف الدستوري، والتطبيقات الفضلى السابقة، يمكن للسلطات السيادية في السودان ان تقوم بتكوين حكومة تصريف أعمال إذ تم إقالة الوزراء الحاليين. ومن المهم إدراك أن حكومة تصريف الاعمال يتم تكوينها من أعضاء الحكومة القائمة، إما بتكليف الوزراء الحاليين بالاستمرار في تصريف الاعمال الروتينية في فترة زمنية قصيرة، ودون أن تتجاوز مهام حكومة تصريف الاعمال إلى الموضوعات الاستراتيجية. وإذ كانت هناك مقترحات بتكوين حكومة من كفاءات وطنية من خارج الحكومة الحالية، فإن هذا الوصف لا ينطبق على حكومة تصريف الاعمال.

معرض الصور