23/09/2023

هل يحصل ضحايا حرب السودان على العدالة؟

مشاعر إدريس

حتى الآن يمكن تحليل الحرب في السودان من واقع إنها ساهمت في فقدان البلاد لسيادتها، وصارت مراكز قوى متصارعة، ونتج عن ذلك انعدام سلطة واحدة معترفة بها في البلاد، بالتالي لا يوجد مركزا موحدا لإحتكار العنف، فضلا عن عدم جهة واحدة تمثل الدولة.

في هذا الواقع، أصبحت مسألة تحقيق العدالة لضحايا الحرب في الحالة السودانية بعيدة ومجرد شعارات مرفوعة ودغدغات للمشاعر.

قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تروك في حوار تفاعلي في مجلس حقوق الإنسان في 12سبتمبر الحالي حول الحالة في السودان إن هذا الصراع حطم أمة، فقد تم اقتلاع أكثر من 5.1 مليون من منازلهم، كما أصاب الاقتصاد بالشلل ودفع الملايين إلى حافة الفقر، إلى جانب توقف الخدمات الأساسية في المناطق المتضررة من القتال مثل التعليم والرعاية الصحية.

وذكر مفوض الأمم المتحدة لحقوق الانسان، إنه خلال الأسبوع الماضي، قُتل أكثر من 103 مدنيا خلال العمليات العسكرية في الخرطوم وأم درمان بينهم العديد من النساء والأطفال.

ومع تزايد الجرائم في البلاد جراء الحرب تنشغل عدة جهات سياسية ومدنية بسبل تحقيق العدالة.

ورهن والي شمال دارفور، نمر عبدالرحمن، الاستقرار والسلام في السودان بتحقيق العدالة وعدم إفلات المجرمين من العقاب ومحاسبتهم محليا وإقليميا ودوليا.

واستبعد نمر وجود سلام واستقرار وتنمية ورفاهية في السودان إلا بتحقيق العدالة الانتقالية لضحايا الحرب.

واعتبر القيادي في تحالف الحرية والتغيير، عروة الصادق، العدالة لضحايا الحرب في السودان قضية مهمة وحساسة ومعقدة تستدعي اهتماما وتصميما حقيقيين، وليس مجرد حديث للمناورة ودغدغة مشاعر الضحايا.

وقال عروة الصادق: لتحقيق العدالة يجب الإجابة على عدة أسئلة، أهمها: كيف يمكن التعويض وإبراء الجراح وجبر الضرر؟ وكيف يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية والقانونية؟ وكيف يمكن التعامل مع التسويف الذي تم في حق ضحايا الحروب السابقة؟

وأضاف: لتحقيق النموذج الأمثل للعدالة علينا تصميمه بعيدا عن التوهمات وأقرب إلى الواقع، ويعكس تجارب المتضررين والضحايا وآمالهم.

وتابع قائلا: يجب أن يتضمن النموذج آليات فعالة لتجنب التجاوزات وضمان المشاركة الشعبية في تنفيذه، خاصة في المناطق ذات تجارب ناجحة في أقاليم السودان المختلفة.

وشدد الصادق على تفعيل العدالة من خلال النهج الجماعي (مسؤولية جماعية)، بمشاركة الجميع في عملية الشفافية والديمقراطية وتشجيع الحوار بين الجانبين المتنازعين والضحايا على أن يدعم النموذج العدالة الانتقالية الشاملة التي تركز على الإصلاح القضائي والحقوق ونظام المحاماة وكفالة حقوق الإنسان ومحاربة الإفلات من العقاب.

ويواصل عروة حديثه: بالنسبة لإبراء الجراح وجبر الضرر، يجب تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لضحايا الحرب وعائلاتهم قبل التعويض المادي والمعنوي وهو أولى خطوات السير الصحيح نحو تحقيق العدالة.

مشددا على توفير التعويضات المادية، فرص العمل والتعليم والخدمات الصحية والتنمية المتوازنة في المناطق المتأثرة بالحروب على أن تكون هذه الإجراءات مستدامة وتراعي الظروف المحلية واحتياجات الضحايا.

وتخوف من احتمالات المماطلة والتسويف في حق ضحايا الحروب السابقة، لذلك شدد على التحقيق في الانتهاكات وتقديم الجناة للعدالة وإعلان شفاف عن المسؤولين عنها.

كما أن يكون هناك نظام قضائي قادر على محاكمة المجرمين وتأمين حماية الضحايا والشهود، سواء كان ذلك النظام محليا أو إقليميا أو دوليا، يتم تنفيذ هذه الخطوات بشكل مستقل وغير متحيز، مع مسؤولية الإدارات الحقوقية العدلية الشفافة والقوية.

وطالب المجتمع الدولي أن يولي هذه القضية اهتماما كبيرا ويدعم السودان في جهوده لتحقيق العدالة بتكوين لجان تحقيق إقليمة أو دولية أو هجين للتحقيق في الفظائع التي ارتكبت في السودان.

ودعا أن يكون هناك تعاون دولي لاحقا في مراحل تنفيذ العدالة، خاصة بعض القضايا المرتبطة بالمسؤولية الدولية والاحترام لحقوق الإنسان وجرائم الحرب، العدوان والجرائم ضد الانسانية، من خلال هذا التفكير الجماعي والعمل المشترك بين كافة أصحاب المصلحة والمتضررين والحقوقيين والفاعلين السياسيين، يمكن أن تتحقق العدالة وتبنى مجتمعات أفضل في السودان، وهذا سيظل بعيد المنال ما لم نوقف الحرب التي تتفاقم انتهاكاتها ويزداد ضحاياها.

وقال الناشط والمدافع عن حقوق الإنسان في معسكر اللاجئين في تشاد، كمال الزين، (فيما يتعلق بضحايا الحرب، السودان كله أصبح في حالة حرب واحتراب كبير).

وأكد كمال الزين انهيار المحاكم والعدالة انهيارا تاما، فضلا عن تجاذبات العسكرية، بالإضافة إلى تشريد المحامين والقضاة حاليا.

وأفاد: لن يتحقق للضحايا أي نوع من العدالة في ظل غياب المؤسسات القانونية أو العدلية، أو دستورية، أو محاكم استئناف، مما يجعل الأمر داخليا لن يحدث أي تحقيق للعدالة للضحايا في السودان.

وأشار في حال دعم المجتمع الدولي الضحايا يمكن أن تحدث العدالة من خلال إلقاء القبض على المتهمين في محكمة الجنائية الدولية، وإضافة متهمين جدد خاصة وأن جرائم فظيعة ترتكب يوميا ضد المدنيين العزل َوالنازحين واللاجئين.

وأردف: حتى بعد خروج المواطنين من مناطقهم الأصلية يتعرضون للانتهاكات، بالتالي تحقيق العدالة في هذه المرحلة أمر مستحيل، لكن كل الضحايا يعولون على الضغط الدولي والمجتمع الدولي والمحكمة الجنائية الدولية بحيث تشمل الاتهامات كبار رؤوس المجرمين في البلاد، ولاحقا تتم محاكمتهم خارج السودان.

فيما ضرب نائب رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور، الصادق علي حسن، مثالا للعدالة في رواندا، قائلا: هنالك تجربة مثالية تجد الإحتفاء من الغرب، لكن في الواقع لم تؤسس على أرضية قوية. لا زالت أسباب الصراع تمور في دواخل مكونات الهوتو تجاه التوتسي وينظرون إلى العدالة الانتقالية باعتبارها فرضت عليهم فرضا.

وقال الصادق على حسن إن الرئيس بول كيقامي لا يستطيع إجراء ديمقراطية حقيقية؛ لأنه لو فعل ذلك فإن أغلبية الهوتو ستطيح به، ونموذج العدالة الانتقالية لم يقم على أرضية قاعدية حقيقية، وإنما إنتاج نخب، لذلك استنساخ التجارب ومحاولة تأطيرها لم تعد تصلح في بعض المجتمعات، خاصة في مثل حالات السودان.

وأكد أن السودان يحتاج إلى عدة نماذج لتحقيق الإنصاف، قد تختلف من ولاية إلى أخرى، وفي بعض الولايات قد يكون المناسب تحقيق العدالة الجنائية من خلال تطبيق القانون بين الأطراف وليس الإلهاء من خلال استنساخ التجارب واستجلابها بما يطلق عليه بنماذج العدالة الانتقالية.

وأضاف: الآن لا توجد أجهزة لدولة في السودان والمطلوب أولا استعادة الدولة، ومن بعد البحث عن الوسائل الكفيلة بتحقيق العدالة للضحايا.

وتقول الأمم المتحدة إن النزاع المندلع منذ 15 أبريل، دفع 5.25 مليون شخص إلى مغادرة منازلهم، حيث نزح 4.1 مليون شخص في 3.855 موقعا في جميع ولايات السودان البالغة 18 ولاية.

وحصرت الأمم المتحدة وقوع 921 حادثة على العمليات الإنسانية، منها 60% بسبب النزاع الفعلي أو أعمال عنف ضد العاملين في المجال الإنساني وأصوله.

معرض الصور