السودان.. موجة من المبادرات ولا إرادة للحل
خالد ماسا
لا أعتقد أن حواراً دار بين المكونات السودانية، أفراداً كانوا أو جماعات، حول التعقيد الذي أصاب حال الدولة السودانية جراء الحرب، إلا وجاءوا فيه على ذكر مخاطبة جذور الأزمة السودانية وضرورة مخاطبة الحلول المطروحة لهذه الجذور، بوصف أنها المخرج الوحيد للدولة من دوامة الأزمات التي ما أن توقفت عجلاتها إلا وعاودت الدوران بأسباب فيها تطابق كبير يؤكد على ثبات الأسباب وتعدد النتائج.
الاستهلاك الزائد عن اللزوم لتوصيف جذور الأزمة السودانية يؤكد بما لايدع مجالاً للشك بأن النادي السياسي السوداني ظل على الدوام، من حالة كسل وإستعجال، لايُنفق فيها الكثير من الجهد لإنتاج معالجات ضرورية لواقع ظل يتأزم يوماً بعد يوم.
تصلح الحرب التي تدور الآن في السودان لأن تكون حداً فاصلاً لكتابة التاريخ السياسي في هذا البلد المنكوب، باعتبار أنها تُعد طرح بستان الأزمة السودانية الأكثر بشاعة وتكلفة، وأنها التأكيد على أن كل دعاوي مخاطبة الجذور قد ذهبت أدراج ريح المشكلات الأصيلة في النادي السياسي السوداني.
ما قبل خط الحرب ظلت بوابة النادي السياسي بلا بواب يسأل عن تصاريح الدخول التي تسمح بممارسة راشدة ومستقيمة للداخلين لهذا النادي وفقاً لإشتراطات متفق عليها ديموقراطياً فدخلت نطيحة خطاب الكراهية ومتردية القبلية والجهوية ومتردية من يظن بأن السلاح هو أحد أدوات العمل السياسي والديموقراطي.
بازار المبادرات الذي فتحته العملية السياسية التي كانت جرت ماقبل اشتعال فتيل الحرب في منتصف أبريل المنصرم، كان يبدو في ظاهرة جملة خطابات في بريد حل الأزمة السوداني، أما باطنه فلم يكن إلا التأكيد بأن هنالك عيوبا خُلقيّة ظلت تلازم العقل السودانية متى ما كانت هنالك حاجة للتفاعل مع الأزمات السياسية.
لم يكن بالإمكان أبداً توصيف سيل المبادرات المطروحة كحل للأزمة التي صنعتها الاختلالات في توقيع الوثيقة الدستورية مابعد ثورة ديسمبر وماحدث جراء انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر بأنه ظاهرة صحية يمكنها أن توفر أكثر من حل لواقع سياسي محتقن في السودان.
كانت حالة إغراق متعمدة، القصد منها أن يظل الواقع السوداني حبيساً لأزماته التي تباعد بينه وبين الأشواق التي نادت بها الثورة السودانية.
أكلنا من الشجرة المحرمة وطُردنا من جنة الخلاف بالأدوات السياسية إلى جحيم الرصاص، والبداهه تقول بان إطفاء نار الخلاف السياسي تختلف تماماً عن إطفاء نار الحرب، خاصة في بلد يدخر مخزون إستراتيجي من الكراهية والجهل، ويُمسك بمفاتيح صوامعه أصحاب مصلحة في ألا يكتمل طريق هذا البلد إلى نهاياته بانتقال حر وديموقراطي سلس، وها نحن ذا نعيد البصر كرتين لنعالج أمر الحرب بذات الأدوات التي فشلت في مداوة خلافات سياسية ماقبل الحرب؛ فيرتد إلى خاسئ وهو حسير.
محلياً، لافتات ترفع، هناك وهناك، بإدعاء السعي لإيقاف الحرب، ولا تحتاج لجهد كبير لإدراك بأن الحرب والتكاليف الباهظة التي دفعها السودانيون لم تغير في كيمياء النادي السياسي؛ إذ لازال الكل محتفظا بمقاعده ومحافظاً على التباعد الذي فرضته كورونا الخلافات السياسية في كل تحوراتها.
إقليمياً، لم تنجو الأزمة السودانية من جائحة الإغراق بتعدد المبادرات لإيقاف الحرب؛ فكان أن اختار البعض لافتة جوار السودان ليدخل بها في أوكازيون الحرب، واستخدمت أفريقيا منظماتها التي لم تُقيل أي بغلة عثرت بانقلاب فيها على الديموقراطية، أو تدخل الأيادي الغريبة من خارج القارة تحت عين بصرها وغياب بصيرتها؛ فبادر الاتحاد الأفريقي، وبادرت إيغاد، ومع ذلك وصلت الحرب الآن في السودان لشهرها السادس دون أن يعني ذلك شيء للمبادرين.
دولياً، لم يكن تكرار الدعوات الشجاعة من قبل بعض ممثلي الدول في اجتماع الجمعية العامه للأمم المتحدة رقم 78 الأخير بنيويورك بإعادة النظر في أداء المنظمة الدولية محض الصدفة، وإنما بدافع القناعة باختلالات جوهرية تحول دون تحقيق الأهداف المنصوص عليها في وثيقة التكوين.
تباطوء وتفاعل تحكمه بيروقراطية عقيمة حيال أزمة إنسانية لايجوز معها تقديم قدم في الحلول وتأخير الأخرى.
الحل هو في خلق إرادة واحدة وموحدة للإيقاف الفوري لإطلاق الناري دون إغراق في تفاصيل الشجب والإدانة والخطاب العاطفي عن ضرورة فتح مسارات آمنة للمساعدات الإنسانية.
مامن آذان تصغي في السودان لتقارير الموظفين الفارغة والجوفاء ومناقشات الغرف المغلقة التي لاتعني لها الأرواح التي تزهق والانتهاكات التي تقع غير عمل يومي وروتيني يبرر الصرف البذخي على تسيير الأعمال؛ لأن ذات الآذان سمعت هذه التقارير والبيانات لثلاثة عقود كانت نتيجتها الإفلات من العقوبات واستمرار الانتهاكات التي تقع على المدنيين.
لن تعرف الحالة السودانية الطريق إلى التعافي مالم نترك طريق هذا الإغراق بمبادرات إيقاف الحرب باختيار طريق واحد وآمن، ويقول بأن تعدد مسارات الحل هو أحد تلك الجذور في الأزمة السودانية المطلوب مخاطبتها.