تشكيل الناس وخطاب الكراهية
عبدالله ديدان
الاصل في التكوين الاجتماعي هو الانسان، فهو الفكرة نفسها. وحلمه الدائم هو الوصول الي اقصي درجات الرفاه والسلام مع الذات والاخرين وسهولة الحياة. في ذات الوقت الانسان هو من يسعي لتحقيق ذلك، حيث لا توجد قوي اخري خارج التكوين الانساني معنية بالسعي من اجل صناعة حياة افضل للانسان.
بمعني آخر صراع الانسان معني بكيفية تحقيق الاستقرار النفسي والروحي والذهني والجسدي، بتلبيته لاحتياجاته الذاتيه والعامة التي يتشاركها مع الاخرين، سواءا كانت اقتصادية، سياسية، ثقافية او اجتماعية. لذلك تكمن قيمة الحياة في قيمة الانسان كأصل متساوي في تعريفه الكوني والذاتي.
لا يمكن تمييز انسان علي انسان بمعايير الانسانية الصفة والانسانية الجوهر والمعني، لكن في خضم الصراع من اجل المصالح الفردية والجماعية، نقع في فخ انتهاك حق الانسان في ان يكون انسانا. وتبعا لتعقيدات الحياة وتزايد وتيرة الصراع، تنمو الانانية وحب الذات والغاء الآخر المختلف، حتي يصل الحال الي تجريده من قيمته كانسان. يستطيع البعض افرادا اومجتمعات ان يصيروا وحوشا تجاه آخرين من الناس، وهنا تكمن الازمة وتجاذب مراكز القوي، فأي مشروع او فكرة فردية او جماعية ومهما كانت اهدافها وغاياتها تبدو نبيلة في شكلها وطرحها، مالم تنبني علي قيمة الانسان كجوهر فهي لن تحدث خيرا مطلقا.
مجتمعنا السوداني يتسم بتنوع حاد وكثيف علي مستويات متعددة، ثقافيا ،اجتماعيا واقتصاديا، الشيء الذي انتج طرق تفكير متنوعة واعراف وتقاليد مختلفة وبالتالي اختلاف طبيعة المصالح وادوات الصراع ومراكز القوي. انه واقع ينوء بحمولات تاريخيه معقدة، لازالت تمسك بتلابيب تشكيل الكثير من قدرات بعضنا في التعاطي مع قضايانا علي المستوي الانساني المجرد. فالتعاطي مع الواقع يتطلب استيعاب ان تشكيل الناس، لابد له من ادراك ان الفرد هو محمولات اجتماعية وثقافية واعراف وتاريخ معقد التكوين، ربما يجعله ضعيفا حال حدوث تحول مفاجيء في حياته او يجعله قويا.
معايير الضعف والقوة هنا لا تأتي من خارج سياقه الذي تشرب فيه بمعينات تكوينه الاولي، قبل انخراطه في تجارب اخري، وانما تكمن في كيفية تلقيه هذه التجارب وبأي ادوات. ولتحقيق اي هدف فردي او جماعي، فالتحدي دائما يكمن في تقديم المعرفة من اجل التغيير وفق رؤية من يقدمها، حين يري في نفسه النموذج الذي يجب ان يحتذي به المتلقي وهنا الفخ. اذ تتم صناعة انسان بقوة دفع مفاجئة، فلا هو بقادر علي ان يتسق مع تكوينه الاولي ويعمل علي تغييره نحو الافضل من خلال هذا السياق ولا هو صار بالكامل نسخه من النموذج المرسوم له ليكونه بتلقي المعرفة المشروطة تلك.
صناعة التغيير تتطلب معرفة بالسياق المعني وقيمه الاجتماعية والثقافية وعدم دفع الناس ليصيروا صورة منبتة عنه، فالنعمل علي تمليك الناس المعرفة والتعليم دون فرض نمط حياة او شروط مسبقة تتناسب مع رغباتنا نحن وليس هم وذلك حتي لا نضعهم في حالة تجاذب تعطلهم وتجعلهم في حالة ضياع.