19/10/2023

وقف الحرب فرض مقدم على ما سواه

وائل محجوب

• دخلت الحرب شهرها السابع، وقد خفتت أصوات المنادين باستمرارها، وتراجعت حملات التضليل والتلاعب الإعلامي، حيث تكشف حجم الموت والخراب والدمار، الذي لا يغطيه أو يحجبه دخان المعارك العسكرية، وعدم قدرة طرفيها على السيطرة على زمام الأمور، وتحقيق نصر حاسم ونهائي، وبعدما ظهر ما كان خافيا وظللنا نحدث به، عن اصابع فلول النظام البائد في التحريض عليها وفي مجرياتها، ومحاولة الإرتقاء عبرها للسيطرة الكاملة على السلطة على ظهر الجيش، مثلما انفضح زيف دعاية وليدهم الشرعي الدعم السريع، وسعيه للتمكن من السلطة بدعاوى ديمقراطية لا صلة له بها، وتصادم جرائمه مقتضياتها، وتبدت الخسائر الفادحة جراء الحرب، على المتحاربين وعلى المدنيين على حد سوأ.

• إن وقف الحرب وإنهاء العبث بالبلاد ووحدتها وسلامة اراضيها، وحفظ دماء أهلها، فرضا مقدما على ما عداه. والطريق لتحقيق ذلك يمر عبر توافق سوداني جماعي رافض لها، وقادر على فرض رؤيته لوقفها، وانهاء اسبابها بشكل جذري.

• فبعد مرور ستة أشهر من اندلاع الحرب، وضح أن القوى المختلفة لا تستطيع النهوض بهذا العبء الثقيل، دون إسناد من المجتمعين الإقليمي والدولي. ولا تملك من الأدوات ما تستطيع به فرض خيار ايقافها، مع الظروف والأوضاع الاستثنائية التي يستغلها طرفي الحرب، للقمع والبطش ومحاصرة جهود العمل السياسي المدني، الرافضة للحرب داخل السودان، بالملاحقة والاعتقالات والاستهداف المباشر، واتضح الدور الحاسم للخارج، الذي يملك القدرة على الضغط على طرفي الحرب، وفرض إرادته عليهما.

• لذلك فالأجدى في الوقت الحالي للقوى المختلفة ان تتعامل مع حقائق الواقع، وما أفرزه من مسئوليات جسام وعلى رأسها، التلاقي مع إرادة المجتمع الدولي والإقليمي الساعية لوقف الحرب، بتقديم تصور سوداني يوجه هذه الجهود لتصب في مصلحة الشعب ولا ترتد عليه. والتفاعل البناء مع المواقف الإقليمية والدولية، المجمعة على ربط وقف الحرب بتسليم السلطة لحكومة مدنية، وخروج العسكر من السلطة، والإصلاح العسكري بما يفضي لإزالة العناصر المسيسة، وصياغة عقيدة عسكرية جديدة. وإنهاء وجود الدعم السريع وكافة الحركات والمليشيات، بعد تحديد وملاحقة العناصر المتورطة في جرائم الحرب، وصولا لجيش قومي موحد، وإعادة قادة النظام البائد للسجون، وتسليم المطلوبين منهم للمحكمة الجنائية الدولية.

• الحديث المتكرر عن عدم مشاركة المدنيين في مفاوضات وقف اطلاق النار، هو المدخل الخاطئ للتعامل مع قضية وقف الحرب وانهاء عسكرة الدولة، وهو سيعيد الجميع لذات الوضع الذي سعى له قادة اللجنة الأمنية من قبل عبر الوثيقة الدستورية، حينما أبعدوا المدنيين عن مناقشة قضايا القوات النظامية، واحتكروا سلطة القرار فيها لأنفسهم، ورفضوا أي صلة للحكومة المدنية بها وبإصلاحها، وانتهى بنا ذلك الوضع لهذه الحرب الطاحنة المدمرة.

• إن قضية الوقف الدائم لإطلاق النار والترتيبات الأمنية المرتبطة بها، من صميم قضايا الانتقال. ولابد أن تكون القوى السياسية والمدنية طرفا فيها، لأن غيابها سيفتح المجال من جديد لمعالجات قاصرة تهمل ما تمخضت عنه هذه الحرب من إنتهاكات جسيمة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومن تعد على المواطنين في حيازاتهم وأملاكهم الشخصية نهبا وسلبا وتدميرا، وتهمل الأطراف التي تقوم فعليا بتقديم العون والدعم الإنساني للمتضررين على الأرض.

• المطلب الذي لا يقبل التأجيل وقف هذا الخراب والدمار، وإمتلاك تصورات واضحة لعملية أعادة بناء وإعمار ما خربته الحرب، وهي مهمة لا يمكن انجازها بدون الدعم الدولي والإقليمي للسودان، وهي تحتم التعاطي الايجابي مع المبادرات المطروحة والجهات التي تقف من ورائها، وتقديم رؤية سودانية موحدة ومتفق عليها، يعدها مختصون في كل المجالات، وترتب من خلالها الأولويات في هذا الأطار.

• إن قيام حوار قومي سوداني سياسي ومدني ويشمل حتى القوى الحاملة للسلاح خارج اتفاق جوبا، يعيد تنظيم وبناء جبهة عمل، أو تجمع، أو تكتل جديد للقوى المختلفة، أو أي صيغة يتوافق عليها الناس، على أساس أهداف وشعارات ومطالب ثورة ديسمبر، ويوحد الرؤية حول مطلوبات وآليات وقف الحرب ومعالجة آثارها، ويؤمن على وحدة السودان، ومطلوبات تلك الوحدة، وتقديم مشروع للتعافي الوطني من الآثار الاجتماعية لهذه الحرب، ليس ضرورة ملحة وحسب، انما هو أمر لا مفر منه، بالنظر لما تواجهه البلاد من مخاطر عديدة في حال استمرار الحرب منها،

- مخاطر تمدد الحرب الأهلية والانفلات الأمني الشامل.
- تفكك البلاد لدويلات بحكومات مستقلة.
- مخاطر الانزلاق لحكم دموي منغلق ومعادي للعالم، وأشد دموية من نظام الإنقاذ.

• إن التعامل مع كارثة الحرب وما فرضته من واقع بذات عقل ما قبلها، لن يقود الإ لاضرار كبيرة للحركة السياسية والقوى المدنية، وهي تحتاج لعقل مدرك للمنزلق الذي تهاوت اليه البلاد، والاوضاع بالغة التعقيد التي ستلي وقفها، وهي معركة ضخمة لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها التي انهارت ودمرت وتوقفت عن العمل، واسترداد الأمن بعد تفشي الجريمة وتنامي العصابات المسلحة، ومعركة المواطن الذي يحتاج لإعادة بناء حياته من جديد، في ظروف شديدة التعقيد وغير مواتية، بعدما تعرض للإفقار الممنهج عبر عمليات النهب والسلب التي جردته من كل ما يملك، خلاف معضلات العدالة وملاحقة المجرمين وتعويضات المتضررين.

• اننا سنواجه بعد الحرب بمعركتين ضخمتين يجب أن تمضيا في ذات الوقت، وهما معركة الإنهاء الكامل لجذور النظام البائد وآثاره الكارثية، ومعركة إعادة تأسيس كامل للدولة وحماية عقدها من الانفراط، وهما معركتان ليست هناك جهة مؤهلة للقيام بهما منفردة بالغ ما بلغت تصوراتها عن قدراتها، ودون إسناد وإلتفاف شعبي، ولن نستطيع مواجهتها بخلاف وتشرذم وصدام القوى السياسية والمدنية السائد حاليا، الوطن يعلو ولا يعلى عليه، وهذا هو ندأ الوقت للوطن، وأوان النهوض الجماعي لإسترداده من براثن الحرب، والقوى الظلامية.

معرض الصور