مواطنون ترصد معاناة النزوح ومخاوف من فصل الشتاء
مواطنون: النيل الابيض
مع توسع الاشتباكات المستمرة جنوب الخرطوم وجد مواطنو جبل اولياء ومنطقة السلمانية انفسهم بين اصوات المدافع والدانات من كل صوب. فحينما وقعت احدى الدانات في مخزن الذخيرة بمعسكر جبل اولياء في الاسبوع الماضي وتبادل طرفا الحرب الجيش والدعم السريع الاشتباك داخل الاحياء كان بمثابة صافرة الخطر الأكبر لمواطنيها فاضطروا لترك منازلهم بعد يوم مليء بالرعب والهلع بحثا عن الأمان فوجدوا معاناة أخرى تنتظرهم.
وكانت ولاية النيل الأبيض أقرب الوجهات للنازحين من جنوب الخرطوم. بحسب مسؤولين وتقارير صحفية من اغسطس الى سبتمبر، يوجد في ولاية النيل الأبيض 252 مركز إيواء و11 معسكراً للاجئين، وتستضيف أكثر من 7 آلاف أسرة.
وتقول حضرية، وهي من مواطنات جبل أولياء، حينما وقعت إحدى القذائف في مخزن الذخيرة بمعسكر جبل اولياء، الواقع غرب المستشفى في الاسبوع الماضي، عشنا يوما مليئاً بالرعب والهلع. شاهدنا النيران وكنا نسمع أصوات القذائف والمدافع والرصاص فزُعزع نومنا واُثيرت مخاوفنا فلجأنا الى القطينة كأقرب مدينة ونحن لا نعرف عنها شيء.
وتضيف في روايتها لـمواطنون: جئنا واستأجرنا منزلا يحتوى على غرفة وصالة ونحن أكثر من عشرين شخص بمبلغ 300 ألف جنيه، ومع ذلك البعض منا يفترشون الأرض. وتتساءل: لا نعرف ما الذي يحدث إذا جاء فصل الشتاء ونحن على هذا الحال ناهيك عن الظرف الاقتصادي والمعيشي السيء. وكل الأخبار التي ترد إلينا أن الوضع الأمني غير مستقر. وتابعت حضرية لمواطنون: لم أتخيل يوما إننا سنعاني من أجل ان نكون آمنين.
وتضيف أميرة، القادمة من منطقة الرشيد تخوم الخرطوم، لـمواطنون: منذ أن بدأت الحرب لم يمر علينا يوم هادئ. ففي اليوم الذي قررت فيه هي وابناؤها الخروج من منزلها كانت الاشتباكات بين طرفي النزاع في معسكر طيبة، بينما لا زال زوجها يعيش أوضاعا قاسية تحت وطأة الحرب مع انعدام تام للخدمات بالمنطقة.
تحكي أميرة ذات الأربعة عقود، التي آوت أسرتها في إحدى مدارس الأساس بالقطينة، فتقول: إن الوضع هنا آمن بالرغم من أن أبنائي ينامون على ألواح الخشب. اما أنا وأكبر أبنائي نفترش الأرض. وتستدرك لكن ذلك أفضل مما عايشناه من الفزع الذي حل بنا الأيام الماضية.
سألناها عن الوضع المعيشي، فقالت إنه سيء للغاية، خاصة ان زوجها الذي يعمل ميكنيكي سيارات لم يأت معها. وتضيف هو لا يعمل منذ فترة. هنا بعض الجيران يساعدوننا، أما المسؤولون بالمحلية يأتي واحد منهم كل يوم ويسجلون اسماءنا على ورقة لكن لم يأتوا بشيء حتى هذه اللحظة.
وتقول أمنيات، ذات العشر سنوات، لمواطنون ما أن سمعنا دوي القذائف حتى قرر والدي أن يخرج بنا إلى أي مكان خشية ان يحدث لي واخوتي أذى، واستقرينا مع أقربائنا. تقول امنيات إنها تخشى على شقيقها لأنهم تركوه خلفهم وإنها لن تطمئن حتى تراه أمامها.
اما عائشة، التي لعنت الحرب الف مرة، تحدثت بحزن كبير لأنها فقدت سمعها من أثر أصوات القذائف. وقالت لمواطنون إنها اضطرت إلى النزوح بعد أن زادت الاشتباكات بين طرفي الحرب، وبعد أن أضحت منطقنهم شبه خالية من المواطنين وجيرانهم. تقيم عائشة مع أسرة استضافتها لبضع أيام لكنها تبحث عن مكان مريح يأويها مع أسرتها دون قيود.
و بالرغم من سؤال عائشة المُلح وهي تتحدث الينا عن وجود اخصائي أنف واذن وحنجرة وهي تأمل أن تعود لها الحياة بعودة حاسة سمعها على حد قولها، إلا أنها لم تخف قلقها وهمها على شقيقها المريض بالفشل الكلوي. وقالت لمواطنون: ولما أغلقت جميع المراكز الصحية هناك، تقصد بجبل اولياء، فكرت سريعا في إيجاد مركز لغسيل الكلى فكانت وجهتنا إلى القطينة. وتابعت: ولكن للأسف وجدنا عددا من المرضى يسبقوننا بالمركز، ثم سافرنا الى مدينة كوستي من أجل ان يحصل شقيقي ولو غسلة واحدة ولكن دون جدوى. فعندما وصلنا وجدنا الأجهزة معطلة واضطررنا إلى العودة الى القطينة مرة أخرى، والآن ليس لدينا حل غير أن ننتظر.
بينما تقول بُهيثة، التي تقطن حي الحلة الجديدة بجبل اولياء وتعمل كموظفة في احدى الجامعات، لمواطنون : ليست هذه المرة الأولى التي ننزح فيها أنا وأطفالي الخمسة. ففي أول شهرين من هذه الحرب نزحنا إلى منطقة بالقرب من الجبل، وقضينا فترة قاسية بإحدى المدارس مع تدهور الوضع المعيشي. فأنا لم أتقاض راتبي منذ شهر مارس الماضي، وزوجي سائق ركشة أضحى شبه عاطلا، حتى ما يأتي لنا من طعام كان لا يكفي. حاولنا نجد مصدر دخل لتسيير أمورنا لكن لم نُوفق. فاضطررنا للعودة الى منزلنا، وما أن اشتد الاشتباك في الأيام الماضية جئنا القطينة، وأقمنا مع أسرة من معارفنا. وتضيف: اصعب حاجة تكون خارج بيتك.
ويوجد في مدينة كوستي، اكبر مدن ولاية النيل الأبيض، 80 مركز ايواء تستضيف 13.388 نازح، وفي مدينة تندلتي 13 مركز ايواء وآخرين مستضافين مع عائلات المنطقة. أما في الجبلين عدد الأسر المتواجدين بمراكز الإيواء على مستوى محلية الجبلين بلغ 246 أسرة.
ويعيش سكان الخرطوم بمدنها الثلاث واطرافها منذ الخامس عشر من ابريل الماضي اوضاعا مأساوية من جراء وطأة الحرب بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع التي قُتل فيها الاف من المدنيين الابرياء وشُرد فيها الملايين من منازلهم فاصبحوا بين نازح ولاجئ داخل وخارج البلاد فيما يعيش السودانيون عامة أسوأ الظروف بسبب تداعيات الحرب والظروف الاقتصادية المزرية.