22/10/2023

ما يتعدى مذكرة معاشيي القوة ذات الشوكة

عبدالله رزق ابوسيمازة

مع ان مداخلات العسكريين في الشان العام، عبر المذكرات ،منذ مذكرة الملازم على عبداللطيف، قبل مائة عام، حتى مذكرة الجيش الشهيرة في الديموقراطية الثانية، يمكن اعتبارها امرا عاديا، الا ان المخيلة الشعبية ظلت تحاصر دور العسكريين، بالخدمة او بالمعاش، خلال الازمات، ضمن توقعات محدودة، ومغايرة.

تكمن اهمية مذكرة معاشيي الجيش، في صدورها من شريحة تنتمي للقوة ذات الشوكة، وتستند في تعاطيها مع ازمة 15 ابريل للمعرفة العسكرية، وللخبرة المكتسبة عبر سنين طويلة من العمل داخل القوات المسلحة، وعلى اعلى مستوياتها، بما يكرس هذه الشريحة مرجعا مهنيا، في مجال الاختصاص، ويعطي رايها ارجحية وثقلا نوعيا.

وقد تزامن صدور المذكرة، التي تم تسليمها للجنرال عبدالفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة وللجنرال محمد حمدان دقلو ،قائد قوات الدعم السريع، مع اقتراب اكمال الحرب شهرها السادس دون حسم، وبدا انه لم يعد لاستمراريتها لشهر او ستة اشهر اخرى، من معنى غير تاكيد عبثيتها التي يدفع ثمنها المواطنون، قتلا وتشريدا، مثلما ترافق مع انكشاف علاقة الاسلاميين بالحرب وبتوريط الجيش فيها.

وتعتبر هذه المذكرة الاولى من نوعها خلال السنوات الخمس الماضية، على الاقل، اذ تتميز بكونها تجسد نهجا مغايرا لنمط التفكير والسلوك الانقلابي ،للعسكر التقليديين، وتنحو للعصف الذهني والمقاربة الموضوعية للازمة.

لذلك كانت المذكرة وليدة نقاشات واسعة استمرت لاكثر من شهر، وفق شهادة بعض المشاركين، حتى تبلورت في نهاية سبتمبر الماضي، شارك فيها العشرات من الضباط المعاشيين من مختلف الرتب، الذين لايمكن التقليل او القدح في نزاهة دوافعهم ووطنيتهم وانتمائهم الصميمي للمؤسسة العسكرية الذين يشكلون بالتالي اضافة نوعية لقوى الجبهة العريضة المناهضة للحرب.

قد لا تقتصر المذكرة على التعبير عن موقف الضباط المعاشيين المشاركين في اعدادها، وهذا احد جوانب اهميتها. فقد تتخطاهم الى آخرين في المعاش او الخدمة، حين تنتحي باتجاه تشكيل راي عام وسط القوة ذات الشوكة بشأن الموقف من الحرب.
تدعم المذكرة المطالبة الواسعة بوقف الحرب، من منطلق فني، بعد ان ظلت تصدر من مختلف القوى السياسية والاجتماعية والمدنية مستندة لحيثيات سياسية واقتصادية وانسانية ...الخ...الخ. وتأسيسا على قناعة بلورتها المناقشات وسط الضباط المعاشيين،مفادها، وفق احد المشاركين:ان الصراع لايمكن حسمه عسكريا وفق معطيات الميدان. ولا سبيل لانهائها الا عبر وقف دائم لاطلاق النار ومن ثم بدء حوار عسكري - عسكري، وعسكري - سياسي، وسياسي - سياسي، بين كل مكونات وكيانات الشعب السوداني لمخاطبة الجذور والاسباب الكامنة وراء متلازمة الحرب التي ترهق كاهل البلاد منذ الاستقلال ..
لذلك فان المذكرة تسهم في فضح دعاة الحرب وتكشف عزلتهم وتهافت منطقهم، وتعزز من ثم جهود وقف الحرب.

تؤسس المذكرة لدور تكميلي يمكن ان يقوم به الضباط المعاشيون في التوسط بين طرفي الحرب للوصول لاتفاق لوقف اطلاق النار، وفي الاعداد والتهيئة للحوار العسكري - العسكري خاصة الذي تقترحه المذكرة، ضمن الحوار متعدد الاطراف من اجل ايجاد تسوية للنزاع.

معرض الصور