النساء ضحايا الحرب والكراهية في السودان

خالد ماسا

حيثما تشتعل الحروب تُعاني النساء. عندما يسود الإستبداد وإنعدام الأمن تتعرّض حقوق النساء والفتيات للتهديد. يحب أن تكون مشاركة المرأة في قضايا السلام والأمن أمراً تلقائياً وليس أمرا مكمِلا. كان هذا هو مدخل كلمة السيد أنطونيو غوتيرش الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة في جلسة مجلس الأمن حول مشاركة المرأة في الأمن والسلم الدوليين.

طوال سنين الحرب التي عاشها السودان في الجنوب حتى إنفصاله بالإستفتاء على تقرير المصير وفي إقليم دارفور منذ العام 2003م وحتى يومنا هذا وفي المناطق الثلاثة ظلت المعاناة هي من نصيب الشعب السوداني إلا أن معاناة النساء في السودان مضاعفة وظللن يعشن في معارك خاصة داخل تلك المعارك المشتعلة. ويدفعن كُلفة وفاتورة الحرب بشكل مخيف ومضاعف كشفت عنه تقارير المنظمات الحقوقية والمنظمات الناشطة في مجال رعاية حقوق المرأة والمعنية برصد الإنتهاكات التي تطالهن بسبب الحرب داخل وخارج السودان.

وعلى الرغم من المسيرة النضالية الطويلة والمشرّفة للمرأة السودانية في مجال صيانة الحقوق والحصول على الإستحقاقات الأصيلة إلا أن الحرب ظلت هي العقبة الكؤود أمام الحفاظ على جملة المكتسبات التي حققتها المرأة السودانية بعملها المثابر في الدفاع عن حقوق المرأة، وصون كرامتها، ظلت الحرب تشكل الإنتكاسة الكبرى في مجال الحماية من الانتهاكات وفي مجال تفكيك جملة السلطات التي تقيّد حريتها، وتقلل من دورها في بناء المجتمع، وتمثيلها الذي يوازي مقدراتها في إدارة وحكم الدولة السودانية.

وفي بلد كالسودان يُعاني من إختلالات في بناء الخطاب العام السياسي منه أو الإجتماعي، وإختلالات حقيقية في مسألة ترتيب الحقوق ككل، ظل نصيب المرأة من الإنتهاكات هو الأكبر سيما تلك الإختلالات في بناء خطاب الحرب القائم بالأساس على التحريض والتحيُز وتقليص قدرة القوانين على حماية حقوق المدنيين.

تظل البيئة التي تصنعها الحرب هي البيئة الأنسب للعنف القائم على النوع الإجتماعي المؤدي للأذي البدني أو الجنسي أو النفسي الموجه ضد المرأة لمجرد كونها إمرأة. ويظل كتّاب الحروب الأسود في السودان شاهداً على جملة إنتهاكات وُجهت ضد النساء والفتيات، وصلت الى حد الإستخدام المتعمد أثناء الحرب لسلاح الإغتصاب حتى دونما الوقوف على تجريم هذه الممارسة التي ظلت تتم بشكل ممنهج ومخطط له باعتباره سلاح رادع وصادم وفعّال لصالح مستخدميه والذين كانوا على الدوام في منجاة من العقاب جراء هذا الفعل الفادح في الإنتهاك.

في أوقات السِلم وفي الأوقات القليلة من عمر بناء التشريعات والدساتير في السودان، ظلت ماكينة صناعة البناء الدستوري والقانوني أسيرة للوعي الذكوري الذي جعل من الحقوق الأصيلة للمرأة في السودان حبيسة أفكار ومعتقدات ومواقف متحيّزه ضد المرأة، وتشرعن لانتقاصها وإنتهاكها، فما بالنا باوقات الحرب حيث تصبح القوانين والتشريعات في فوهات البنادق والمدافع ولاعاصم لها من الانتهاك والتعديات. وتحتشد أخبار الحرب عند كل إشتعال لها بعناوين الانتهاكات الجسيمة ضد المرأة في السودان، وتنطق الارقام والإحصاءآت بما هو مخيف ومهول في جرائم القتل والسبي والإغتصاب.

واذا كان النزوح واللجوء هما مظهر من مظاهر الحرب وآثارها فان الكُلفة الأكبر هي بالتأكيد من نصيب النساء في السودان حيث ويلات الحاجة، وضيق الحيلة، والإستغلال القائم على فكرة التمييز على أساس النوع الاجتماعي.

كُل الإنتهاكات التي تتم في أوقات الحرب يظل توثيقها وضبطها هو جزء من الاجراءآت القانونية لردعها وإيقافها، وتقديم مرتكبيها لمحاكمات عادلة، إلا الجرائم المرتكبة بحق النساء والفتيات سيما جريمة الإغتصاب المُدرجه بحسب الوعي المجتمعي القاصر تحت تصنيف العيب الإجتماعي، الذي تجتهد سُلطة المجتمع في التستُر عليها باسكات صوت المُنتهكات وإجبارهن على عدم التبليغ، وتوثيق هذه الانتهاكات، أو حتى السعي لمحو آثار هذا النوع من الجرائم بالقتل أو باستخدام خطاب الوصمة الإجتماعية الذي يعتبر في التصنيف في أعلى مراتب خطاب الكراهية القائم على التحريض وفقاً للنوع الاجتماعي، ووفقا لتعريف أن الحرب هي مبرر مقبول وعادي لظهور مثل هذه الإنتهاكات.

وبما أن النساء والفتيات مُستبعدات في خطاب الحرب القائم، المبني على الحق فقط لاصحاب القوة التي في يد الذكور فانهن بطبيعة الحال مستبعدات أيضاً في خطاب بناء السلام، وهو ماشهدت به أحوال كل محاولات بناء السلام في السودان التي يجيء فيها ذكرهن وذكر حقوقهن عرضاً، ومشاركتهن على إستحياء في إتفاقيات السلام على الرغم من أنهن الأكثر عُرضة للإنتهاك أوان الحرب.

تظل مشاركة المرأة الحقيقية والفاعلة في صناعة السلام والأمن هي أحد الأدوات التي إختارتها منظمة الأمم المتحدة لتفكيك خطاب الكراهية القائم على التمييز والتحريض بحسب النوع الإجتماعي، وهي الأقدر على مواجهة مشكلات تنتجها الحرب إبتداءاً من القتل والإغتصاب الى ملاحقة جرائم الاختفاء القسري والسبي وتسليع المرأة كواحدة من غنائم الحرب.

ولذلك يظل الدور الطليعي لمبادرة لالقهر النساء على سبيل المثال للمبادرات السودانية لرفع الظلم والضيم عن النساء دور مهم وحاسم في هذه الحرب، بالتوثيق أولا للجرائم المرتكبة ضدهن، ولايقاف إنتشار خطاب الحرب القائم على التحيز والتمييز بموجب النوع الاجتماعي، وقيام الحرب على أجسادهن. وبطبيعة الحال طالما أن هذه الحرب تقوم على أكتاف إنتهاك حقوقهن فان أمن وسلامة المجتمع يبدأ بمشاركتهن الأصيلة في بناء السلام وإيقاف صوت الرصاص.