07/11/2023

(شانتير) الرَّجل الذي جعلنا نشجع (الحكم)

محمد عبد الماجد

لا بُدّ من القول إنّ الحكم السُّوداني محمود علي إسماعيل، الشهير بـ (شانتير) فرض علينا نفسه، وألزمنا بالكتابة عنه، والإشادة به، ونحن عندما نكتب عنه اليوم لا نُقدِّم له بذلك دعماً، بقدر ما نُقدِّم دعماً لأنفسنا بالانحياز للمهنية والإشادة به، احتراماً للإجادة وتقديراً لها، قبل أن يكون ذلك تقديراً له.

ونعترف أنّ شانتير سبقنا، ونقر أنّنا نأتي مُتأخِّرين كالعادة في هذا المحراب، ولكن أن تأتي مُتأخِّراً خيرٌ من ألا تأتي.

نحن في السُّودان على المُستويين الإعلامي والجماهيري لا ندعم من يمثلون الوطن في الخارج، ولا نُقدِّم لهم الدعم الذي يستحقوه إلّا بعد أن يثبتوا أحقيتهم وجدارتهم بالخارج، ثُمّ نلتفت لهم بعد ذلك، وهذا خللٌ فينا لا بُدّ أن نعترف به، الأنكأ من ذلك إنّنا يمكن أن نكون أقسى عليهم من الإعلام الخارجي عند الإخفاق أو عند الوقوع في أخطاء عادية.

في ظل هذا العالم المفتوح والكون (القرية)، يجب أن ندعم عناصرنا التي تمثلنا في الخارج، لأنّ الانطباع الأول يخرج من عندنا، بل إنّ التقديرات تمنح في البدء من الإعلام والجمهور الذي ينتمي إليه ممثل البلاد.

هنالك نجومٌ تصنعهم الميديا وتخلق لهم حماية وتُشكِّل دعماً لهم. نحن ليس مطلوباً مِنّا أن ننافق أو نكذب، بقدر ما يجب علينا أن نتعامل مع ممثلينا في الخارج بوعي ومسؤولية.

في عام ٢٠١٠ وحتى ٢٠١٤م، ظهر في الساحة التحكيمية حكمٌ شابٌ ومُتعلِّمٌ اسمه وديدي الفاتح، في فترة وجيزة استطاع هذا الحكم أن يلفت الأنظار، ويُثير الجدل بعد أن تصدّر المشهد، وأوكل له الاتحاد العام إدارة الكثير من المباريات الصّعبة والمُهمّة، وقد أدار هذا الحكم في فترة وجيزة مباراتين للقمة السُّودانيّة الهلال والمريخ.

وديدي الفاتح رغم تميُّزه وشخصيته في الملعب، لم يكن مُوفّقاً في إدارة مباريات القمة، وكان قد صرف ضربة جزاء واضحة للهلال، فكانت تلك هي القشة التي قصمت ظهر البعير، وتعرّض بعدها لهجوم قوي من إعلام الهلال، أذكر إنّنا انتقدناه بضراوة، وصنّفه جمهور الهلال على أنّه من أنصار المعسكر الأحمر، ليختفي هذا الحكم من الساحة ويُفضِّل الابتعاد والانزواء بعيداً عن الوسط الرياضي، بعد الهجوم والانتقادات التي يُمكن أن تكون تجاوزت الخطوط الحمراء.

هذا الحكم مع الأخطاء التي وقع فيها، كان يمكن أن يُشكِّل إضافةً للتحكيم السُّوداني، وقد نُسأل نحنُ عن ابتعاد هذا الحكم، لأنّنا قسونا عليه في النقد.

نحنُ في الإعلام أحياناً نقسو في النقد، لكن عزاؤنا في ذلك دائماً أنّ جُزءاً من بناء المُبدع ومن ضروريات النجومية أن يتغلّب صاحبها على كل العثرات التي يتعرّض لها.. وشانتير نضج الآن لأنّه تغلّب على الانتقادات التي كان يتعرّض لها.. وكان شانتير أقوى من وديدي الفاتح لأنّه تغلّب على الحملات التي تعرّض لها من الإعلام ومن الجمهور.

وأظن أنّ الفاضل أبو شنب كان أيضاً من الحكام الذين عرفوا كيف يتغلّبوا على الحملات التي كانوا يتعرّضون لها، تارةً من إعلام الهلال، وأحياناً أخرى وبصورة أعنف من إعلام المريخ الذي كان يُصنِّفه من أنصار الأزرق، وقد نجح الفاضل أبو شنب في السنوات الأخيرة أن ينال احترام وتقدير الجميع، لذلك كانت كل المباريات الصَّعبة والتي يُثار حولها لغطٌ وجدلٌ تُسند إليه، وكان ينجح في الخروج بالمباراة إلى بر الأمان.

محمود شانتير على المُستوى المحلي لم أكن مُقتنعاً به، وكنت أرى انّه يظلم الهلال ويجامل غيره، حتى رأيته في مباريات خارجية، فوجدت أنّ هذا الحكم جديرٌ بأن نحتفي به ونفتخر. الأكيد أن شانتير في الفترة الأخيرة تطوّر كثيراً بعد أن تخلّص من الضغوط الداخلية، رغم أنّه خارجياً يتعرّض لضغوط أكبر، وهو يحكم للأهلي المصري والوداد المغربي والرجاء، والترجي التونسي وصن داونز الجنوب أفريقي.

في الموسم الماضي وبعد أحداث مباراة الهلال والأهلي، والهتافات العُنصرية من قِبل جمهور الأهلي المصري على لاعبي الهلال، أسند الاتحاد الأفريقي للحكم محمود إسماعيل إدارة مباراة الأهلي والرجاء بذهاب ربع نهائي دوري أبطال أفريقيا، وهي كانت أصعب مباراة بعد أحداث مباراة الهلال والأهلي في القاهرة، وقد أعلن إعلام الأهلي وجمهوره تخوفه من الحكم السوداني الذي أدار المباراة وأجاد فيها ووجد إشادة بعد المباراة من خُبراء التحكيم المصري.

وقبل ذلك، كان قد أدار مباراة سيمبا والأهلي التي خسرها الأخير بدار السلام في بطولة أفريقيا للأبطال 1/0. بعد الخبرات التي اكتسبها شانتير والنجومية التي حقّقها عالمياً، لا بدّ أن يكون لشانتير في المباريات المحلية القادمة وزنٌ وقيمةٌ ودورٌ وهو يفرض احترام الجميع له، ويكتسب أحقيته من الخارج.

تقدّم شانتير كثيراً من خلال متابعتي له في المباريات الأخيرة وهو يُدير مباراة الوداد وصن داونز في ذهاب نهائي الدوري الأفريقي، وهي مباراة للعلم أصعب من مباراة الإياب، لأنّها تُلعب في المغرب وسط جماهير الوداد المتعصِّبة والكبيرة.

جمهور صن داونز لا يُشكِّل ضغوطاً على الحكام كما يفعل جمهور أندية شمال أفريقيا، وقد نجح شانتير في مصر والمغرب وأظنه نجح قبل ذلك في تونس والجزائر، ونجح في إدارة مباراة مازيمبي والترجي في البطولة نفسها، وكان نتاج ذلك النجاح أن كلّفه الاتحاد الأفريقي بإدارة مباريات في تلك الدول التي تتمتّع أنديتها بجماهير كبيرة ومُؤثِّرة.

واضحٌ أنّ الاتحاد الأفريقي يعد شانتير ليقدمه في نهائيات كأس العالم، ليكون أول حكم سوداني إن شاء الله يُدير مباراة في نهائيات كأس العالم من منتصف الملعب.. يظهر اهتمام "كاف" بهذا الحكم وثقته فيه من خلال المباربات الصّعبة التي يسندها إليه.. لهذا على شانتير أن يكون أكثر حرصاً ويقظةً في المباريات القادمة وهو ينطلق نحو المجد بخطواتٍ ثابتة وواثقة.

مطلوبٌ من شانتير أن يعمل للحصول على أعلى الدرجات في المباريات القادمة، وقد نجح شانتير بصورة لافتة في مباراة مازيمبي والترجي التونسي بدار السلام، ومباراة الوداد وصن داونز في ذهاب الدور النهائي لبطولة الدوري الأفريقي، وقبل ذلك نجح في إدارة مباراة الأهلي والرجاء في الموسم السّابق.

الحكم عندما يصل لهذه المرحلة يكون تحت الأنظار، وهو مراقبٌ من الجميع بما في ذلك الاتحاد الدولي لكرة القدم، وهذا الأمر يستوحب من شانتير أن يكون أكثر حذراً وحِرصاً، فهو أصبح حكماً معروفاً للجميع، فقد وجدت أنّ هناك من انتقد شانتير على ضربة الجزاء التي احتسبها لصالح صن داونز، لأنّه كان يفترض أن يحتسبها قبل العودة للفأر، والعودة للفأر يُمكن أن تقلل من الدرجة الكاملة التي كان يمكن أن يحصل عليها في المباراة، وإن كان الفأر وُضع لمثل هذه الحالات.

المدير الفني لصن داونز قال إنّ لاعب الوداد أيوب العلمود كان يستحق الكرت الأحمر، ونحن لا نتفق معه في ذلك، لأنّ (الكوع) لم يكن بصورة لافتة ومُتعمِّدة، ولم تكن الضربة قوية أو خطيرة.

شانتير يتميّز بشخصية قوية في الملعب رغم العلاقة الجميلة التي يخلقها مع لاعبي الفريقين، وهو حكمٌ مع كل الضغوط التي يتعرّض لها والشد والجذب، يظل مُحتفظاً بابتسامته طوال زمن المباراة. نفوذ شانتير وشخصيته في الملعب رغم قُـوّته لا تطغى على المباراة وأحداثها، فهو أحياناً تكاد لا تشعر به، ولا يظهر إلّا في اللحظات التي تستوجب ظهوره، وهو في ذلك يشبه الحكم الإثيوبي المتميز باملاك تيسيما وييسا. والحكم الجيِّد هو الذي لا تشعر به في المباراة مع سيطرته التّامّة عليها.

لقد جعلنا شانتير نتابع المباريات التي يُديرها خارجياً ونستمتع بأداء الحكم وتحرُّكاته وصافراته، لقد أصبحنا نشجع (الحكم) بسبب شانتير، ونحن من أنصار مدرسة (التحكيم فاشل)، يبدو أنّ شانتير سوف يجعلنا نُغيِّر هذا المفهوم والهتاف الذي يسود في ملاعبنا. في مباراة الوداد وصن داونز قلت اني سوف اشجع (الحكم).

على شانتير أن يهتم بالتفاصيل الصغيرة والملاحظات الدقيقة إذا أراد أن يصل للعالمية ويُدير مباريات في نهائيات كأس العالم، ليكون أول حكم سوداني يُدير مباراة في نهائيات كأس العالم من مُنتصف الملعب. الفرق بين الحكم العالمي والحكم القاري يبقى في التفاصيل الصغيرة، وهي ما أنصح بها شانتير. وبين العبقرية والجنون شعرة، على، شانتير أن لا يهمل تلك الشعرة.
رغم توقُّف النشاط في السودان، إلّا أن اللياقة البدنية والذهنية لشانتير ممتازة وتحرُّكاته في الملعب جيِّدة. يُمكن أن يجد شانتير معاناة خارجياً بسبب توقُّف النشاط الداخلي، ولا ننسى أن شانتير يتعامل خارجياً مع حكام تقنية الفيديو غير الموجودة في السودان حتى في حال عودة النشاط.

لا أنسى الحكم المساعد محمد عبد الله نيالا صاحب الراية التي تتفوّق حتى على خطوط حكام تقنية الفأر، وإن كان نيالا أثار شيئاً من الجدل باحتسابه لتسلل من كرة لُعبت من حارس المرمى. لكن يبقى نيالا من وجهة نظري اميز حكم مساعد في القارة الافريقية.

هنالك حكمٌ آخر يتحرّك في هُدوءٍ ويُحقِّق النجاح في صمتٍ، وهو الحكم صبري محمد فضيل، وهو أيضاً من الأسماء المُبشِّرة والتي يمكن أن يكون لها دورٌ عظيمٌ في الفترة المُقبلة. لا أنسى كذلك، نجاحات الحكم المساعد السابق والمونديالي وليد محمد احمد، الذي شرّفنا في المحافل الدّوليّة. نجاح اي سوداني في اي محفل فخر لنا وتاج على رؤوسنا. ادعموا كل من يحقق نجاحا بالجنسية السودانية.

معرض الصور