10/11/2023

سكان الخرطوم في الولايات.. الدانة ولا الإهانة

مواطنون - علي طاهر
بدأ السخط واضحاً من سكان الخرطوم النازحين في ولايات السودان، لم يكن ذلك من ضنك المعيشة وضيق المسكن، وإنما من المعاملة الجافة والتنمر الذي تعرض له الغالبية هناك، لدرجة أنهم فضلوا العودة إلى أطراف العاصمة، فيما آثر البعض تبديل مقره في ولاية مجاورة.

معاناة المهجّرين من الخرطوم ظهرت على قصاصات عبارات ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، كتب أحدهم على حائط حسابه بالفيسبوك "حتنتهي الذخيرة، والخرطوم تاني إلا بي تأشيرة"، وخصص كاتب البوست هذه العبارات لسكان ولاية الجزيرة وسط السودان، فيما كتب آخر "الدانة ولا الإهانة" مما يشير بوضوح إلى توتر العلاقات بين نازحي الخرطوم مع سكان بعض مدن الولايات الذّين ضاقوا ذّرعاً بأعباء الاستضافة التي بلغت مدتها 7 أشهر هي عمر الحرب.

لم تكن عبارات منصة التواصل الشاهد الوحيد عن حال ضحايا الحرب العبثية، وإنما أكد بعض من شهود عيان بلسان صدق، عن تجارب شخصية حيث قال محمد المعتز: عقب انفجار الأوضاع في الخرطوم شهر أبريل الماضي، خرجت بأسرتي من الخرطوم على عجالة إلى ولاية الجزيرة المجاورة، ونزلت في أحد أحياء مدينة مدني الطرفية. في أول يوم تم استقبالنا بترحاب، ولكن بعد مرور شهر تقريبا، بدأنا نسمع كلام جارح على غرار النازحين تسببوا في غلاء المعيشة، من أين أتى هؤلاء؟ بالإضافة إلى عدم التعاون وسوء التعامل. وأضاف معتز: الغريب في الأمر عندما نذهب إلى المخبز لشراء الخبز أو البقالة لتناول بعض السلع، عندما يعرف البائع أنك من الخرطوم يزيد السعر مرتين، هذا الاستغلال والتعامل الانتهازي هو الذي دفعنا إلى العودة إلى الخرطوم حيث استقرت بي المقام حاليًا فط منزلي بالحاج يوسف والحمد لله.

أما يوسف سائق الحافلة خرج من حي مايو الخرطوم جنوب الحزام بملابسه فقط، ذهب إلى مدينة سنار، وهناك بدأ العمل في مهنة سائق ولكنه وجد اعتراض من بعض زملائه الذين بدأ يضايقونه بقصد، فاضطر لمواصلة رحلة الاغتراب الداخلي، وسافر نحو الغرب حيث وصل مدينة كوستي حاضرة ولاية النيل الأبيض، وظل يعمل بها حتى هذه اللحظة دون مضايقات أو تنمر من زملائه الجدد.

ويشتكي عوض الله علي، الذي حزم حقائبه ويستعد حالياً للعودة إلى منزله بمدينة بحري المجروحة، من ارتفاع تكاليف المعيشة والغلاء الطاحن بمدينة بورتسودان، أقصى شرق البلاد. وأكد عوض، الذي نزل المعاش، إن كل شئ في مدينة الثغر أصبح بالمال حتى التعامل. الاستثمار هنا بات لغة المجتمع، الأكل في المطاعم قد يكلفك الطلب الواحد 5 آلاف جنيهاً، أما السكن فهذه قضية معقدة ومكلفة بشكل مبالغ فيه، لا شئ هنا يطاق، ولن تستطع العيش كما كنا في الخرطوم.

وعندما اشتد القتال وأصبح ضارياً، تركت الأستاذة عزيزة كويدة منزلها في الكدرو شمال بحري وسافرت إلى مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان. وهناك أيضاً اندلعت حرب أخرى وتطايرت شظايا المدافع فوق سماء عروس الرمال، فاضطرت كويدة وأسرتها السفر مجدداً إلى كوستي. وفي الطريق تم نهبهم جميعاً، سرقوا أموالهم، الهواتف ومتعلقاتهم الشخصية. وعندما وصلوا كوستي كانوا جميعاً على الحديدة.
إنه موقف محرج في وقت عصيب، نزلوا جميعاً في قرية مجاورة للمدينة المحتشدة بنازحي الخرطوم الذين وجدوا معاملة جيدة. وتقول الأستاذة عزيزة: المعاملة هنا في كوستي طيبة، لم نشعر أننا غرباء، يتعاملون معنا بشكل رائع، أنه مجتمع طيب، الأمر الوحيد المقلق هو غلاء السكن، إيجار المنزل يكلف ما بين 300 إلى 600 ألف جنيه، لن تجد مسكناً أقل من هذا السعر، أما متطلبات المعيشة والأكل فإن ديباجة الأسعار معقولة وليس فيها تمييز كما هو موجود في بعض مدن الولايات التي استثمرت ظروف سكان الخرطوم النازحين بسبب الحرب.

ولم يشعر عماد عبدو الذي سافر إلى مدينة عطبرة شمال السودان ويسكن تحت خيمة داخل منزل خالي من الغرف، بانهم غرباء أو ضيوف، ولا حتى نازحين كما يطلق في بعض الولايات. وقال: نعيش بشكل طبيعي رغم أنني مشتاق لمنزلنا في الخرطوم. وتساءل بأسف: متى تنتهي حتى يلتئم الشمل من جديد؟؟

كانت الخرطوم قبل الحرب منزلاً لضيوف أقربائها سكان مدن الولايات الشقيقة، ولكن اليوم عندهم باتت غريبة ولسان حال أهلها النازحين يقول كما قال رجلًا حكيم :(ما ضرني غريب يجهلني، وإنما أوجعني قريب يعرفني).

معرض الصور