05/12/2023

تعدد الجيوش وانتشار السلاح .. هل سيشكلان خطر على إقليم دارفور؟

عبدالرحمن العاجب
بعد أن بسطت قوات الدعم السريع سيطرتها على ولايات (شرق وغرب ووسط وجنوب دارفور) بدأ الواقع السياسي والعسكري يتشكل من جديد، فيما لا زال الوضع الأمني في إقليم دارفور ينذر بالخطر، وتزداد الأوضاع هناك تعقيدا وخطورة يوما بعد يوم. وعلى الرغم من توقيع إتفاقية جوبا للسلام إلا أن الواقع هناك على الأرض ينبئ بانفجار الأوضاع في ظل عدم تنفيذ الترتيبات الأمنية وجمع السلاح من المليشيات والقبائل.

ويمكن القول إن دافور حاليا بها أكثر من ثمانية جيوش هي (الجيش، والدعم السريع، وجيش حركة العدل والمساواة، وجيش حركة مناوي، وجيش حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي، وجيش تجمع قوى التحرير وجيش حركة التحالف السوداني، وجيش حركة تحرير السودان قيادة عبدالواحد محمد نور بجانب جيوش القبائل). وفيما يبدو أن هذا الواقع سيجعل من إقليم دارفور برميل بارود حال إنفجاره فإنه حتماً سيقضي على الأخضر واليابس.

وظلت المناطق الحدودية المحاذية لتشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا تشهد حركة دخول وخروج مستمرة، وتفيد المتابعات بوجود عصابات مسلحة في مناطق الطينة ومليط وأم دخن وأم دافوق والجنينة، تمارس أنشطة تشمل تجارة السلاح والمخدرات والبشر، إضافة إلى ارتكاب جرائم القتل وتهريب السلع الغذائية.

ووفقاً لاتفاقية حماية الحدود بين السودان وتشاد التي بموجبها تم تشكيل القوات المشتركة السودانية التشادية والتي بإمكانها أن تتدخل بموجب الاتفاق لمطاردة متمردي البلدين إلا أن مناطق غرب دارفور الواقعة على الحدود الطويلة الرابطة بين البلدين تشهد تفلتات أمنية ونشاطاً مكثفاً لجماعات مسلحة تنشط في عمليات النهب وقتل المواطنين، وربما شاركت هذه الجماعات في القتال بجانب قوات الدعم السريع ضد الجيش السوداني.

وعرفت دارفور السلاح منذ أمد بعيد، وأسهمت الحرب التشادية في تدفق كميات هائلة من الأسلحة إلى إقليم دارفور الذي يمتلك حدودا شاسعة ومفتوحة مع تشاد، وقام نظام الرئيس المخلوع عمر البشير بتسليح بعض القبائل بعد اشتعال الحرب في دارفور سنة 2003م ولاحقا تم تشكيل مليشيات من هذه القبائل مثل قوات حرس الحدود وقوات الدعم السريع لمحاربة الحركات المسلحة، واشتهر إقليم دارفور بانتشار السلاح الذي بيع في أوقات سابقة علانية بالأسواق العامة، وكانت الذخائر توضع في العبوات التي تباع بها حبوب الذرة.

ورصد تقرير دولي في وقت سابق حجم السلاح المتداول في دارفور بنحو مليوني قطعة، لكن التقديرات تشير إلى أن كمية السلاح المنتشر بدارفور يفوق الخمسة مليون قطعة سلاح، وإن كانت التقديرات المحلية تشير إلى أن العدد أكثر من ذلك بكثير، لأن اقتناء السلاح لكل أسرة أصبح ضروريا لحماية الأنفس والممتلكات.

وإلى جانب الأسلحة التي سلمها النظام السابق لقبائل بعينها فإن المصدر الرئيسي للأسلحة في دارفور يتمثل في ليبيا، بعد سقوط معمر القذافي في العام 2011. وقبل عامين تقريباً نبهت الأمم المتحدة في تقرير إلى أن ليبيا تضم أكبر مخزون في العالم من الأسلحة غير الخاضعة للرقابة، بما يوازي بين (150 و200) ألف طن في جميع أنحاء البلاد.

وفي فبراير الماضي قال فريق خبراء تابع لمجلس الأمن الدولي، إن نشاط تجارة الأسلحة التي تشمل صورايخ (أرض – جو) في الأسواق المحلية باقليم دارفور، تُشكل تهديدا كبيرا لأمن المنطقة، فيما قدم فريق الخبراء المعني بالسودان تقريرًا إلى مجلس الأمن الدولي، وقال التقرير إن (التجار الذين يزاولون نشاطهم عبر الحدود وأصلوا توريد أنواع كثيرة من الأسلحة والذخائر إلى الأسواق المحلية في دارفور بأسعار موحدة) وأشار إلى أن الأسلحة المُوردة تشمل (أسلحة نارية آلية وقنابل صاروخية ومسدسات وبنادق بعيدة المدى عالية الدقة وصواريخ أرض – جو).

وشدد الفريق على أن انتشار الأسلحة والذخائر في دارفور يشكلان تهديدا للأمن في المنطقة، موضحا أنه (ظل وجود الأسلحة واستخدمها في معظم مناطق الإقليم بارزا في هجمات متعددة بين القبائل والسطو المسلح) وأضاف: (أظهرت شدة الهجمات والأعمال الانتقامية داخل المجتمعات المحلية في جميع أنحاء دارفور بوضوح أن تداول الأسلحة وانتشارها يشكلان عاملا رئيسيا في تهيئة الأجواء الانفصالية والمحركة للنزاع، ولابد من السيطرة عليه بصورة عاجلة).

وبحسب ما أفاد الفريق فإن بطء تنفيذ اتفاق السلام سيعوق، بشكل خطير، أي محاولات لإقامة رقابة على أسلحة القبائل و(ما لم تعالج العوامل المسببة لحيازة جهات غير تابعة للدولة للأسلحة في دارفور، ستقاوم القبائل أي تدابير ترمي إلى تحديد الأسلحة) وكشف التقرير عن بدء (قبائل كانت في الجانب المغلول سابقا في ظل احتلال أراضيها ومحدودية قدرتها المسلحة، في تنظيم نفسها من أجل توفير الحماية لنفسها واجتلاب الأسلحة) وأشار فريق الخبراء إلى أن (محاولات المجتمعات المحلية لامتلاك زمام أمنها، نتيجة لعدم قدرة حكومة السودان على حمايتها، لا تبشر بالخير لاستقرار دارفور).

الواقع الجغرافي لإقليم دارفور الذي يحاذي دول جنوب السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا، والتي لا تزال تشهد نزاعات مسلحة بين الحين والآخر، كما أنها لا تنعم بالاستقرار، جعل من اقليم دارفور عرضة للخطر الداهم الذي ربما يعصف باستقراره ما لم تقوم الحكومة السودانية بوضع تدابير احترازية حاسمة لضبط حدود السودان مع هذه الدول التي يتدفق منها السلاح إلى الإقليم.

معرض الصور