إعلان أديس أبابا: نقاش ``الهوامش`` و``المُتون``
خالد ماسا
جاء "التعريف" في ديباجة إعلان أديس أبابا الموقع في الثاني من يناير الجاري، بين تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية " تقدم" وقيادة قوات الدعم السريع، لحرب أبريل بأنها "آﺧﺮ ﺣﻠﻘﺔ ﻣﻦ ﺳـﻠﺴـﻠﺔ اﻟﻤﺤﺎوﻻت اﻟﻔﺎﺷـﻠﺔ ﻟﻘﻄﻊ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﺴـﺎر ﺛﻮرة دﯾﺴـﻤﺒﺮ اﻟﻤﺠﯿﺪة، وأﻧﮭﺎ اﻧﻌﻜﺎس وﺗﺘﻮﯾﺞ ﻟﻠﻔﺸـﻞ اﻟﻤﺴـﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﺑﻠﻮرة إﺟﻤﺎع ﻛﺎف ﺣﻮل ﻣﺸـﺮوع وطﻨﻲ ﻧﮭﻀـﻮي، ﯾﻨﻘﻞ اﻟﺴـﻮدانيين ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺰق اﻟﺴـﯿﺎﺳـﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ إﻟﻰ اﻟﻮﺣﺪة، وﻣﻦ اﻟﺘﺪھﻮر اﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻷﻣﻨﻲ إﻟﻰ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ واﻻﺳﺘﻘﺮار".
كما شرحت الديباجة أيضاً الدوافع التي حملت التنسيقية بمكوناتها لتحمل مسؤولية الإتجاة لبحث حلول لهذه الحرب بالقول "إﺳـﺘﺸـﻌﺎرا ﺑﺎﻟﻜﻠﻔﺔ اﻹﻧﺴـﺎﻧﯿﺔ اﻟﺒﺎھﻈﺔ ﻟﻠﺤﺮب ووﯾﻼﺗﮭﺎ وﻋﺬاﺑﺎﺗﮭﺎ واﻻﻧﺘﮭﺎﻛﺎت اﻟﻤﺮوﻋﺔ اﻟﺘﻲ ارﺗﻜﺒﺖ ﻓﻲ ﺣﻖ اﻟﻤﺪﻧﯿﻦ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ وﺳـﻠﺐ وﻧﮭﺐ واﻋﺘﺪاء وﺗﺪﻣﯿﺮ اﻟﺒﻨﻰ اﻟﺘﺤﺘﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺎﻧﻰ ﻣﻨﮭﺎ ﺷـﻌﺒﻨﺎ وﺗﻌﻤﯿﻘﮭﺎ للانقسامات الإجتماعية والمناطقية اﻟﻤﻀـﺮة ﻛﺜﯿﺮا ببلادنا والتي تهدد بقاء الوطن".
وحددت "تقدم" الوسيلة والأدوات المتاحة لتحقيق الأهداف من هذا المسعى قائلة بان "اﻟﺘﻮاﺻـﻞ واﻟﺤﻮار اﻟﺴـﯿﺎﺳـﻲ ﺑﯿﻦ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻘﻮى اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ اﻟﻤﺆﻣﻨﺔ ﺣﻘﺎ ﺑﺎﻟﺘﺤﻮل اﻟـﺪﯾﻤﻘﺮاطﻲ وﻗـﺎدة اﻟﻘﻮات اﻟﻌﺴـﻜﺮﯾﺔ اﻟﻤﺘﻘﺎﺗﻠﺔ" أﻣﺮ ﻻ ﻣﻨﺎص منه ﻹﯾﻘـﺎف اﻟﺤﺮب وﻣﻌﺎﻟﺠـﺔ آﺛﺎرھﺎ اﻟﻤﺪﻣﺮة وﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﺴﻼم واﻟﻌﻮدة إﻟﻰ ﻣﺴﺎر اﻟﺘﺤﻮل اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﻲ.
وفي حدود "التعريف" و"الدوافع" و"الوسائل" نجد الاعلان لايتعدى حدود أنه "جهد بشري" لايصل الى حدود الكمال بحيث يصبح مصاناً من النقد، خاصة وأنه يخاطب قضية تخص كل الشعب السوداني، فيها حقوق خاصة لايجوز البت وإتخاذ القرار فيها بالإنابة عن أحد، وهو يخاطب قضايا عامه تحتاج الى "تفويض"، قد يقول قائل بأن التنسيقية لم تحمله عندما ذهبت الى أديس أبابا.
الملاحظ أن إعلان إديس أبابا المبذول في كل المنصات الإعلامية، ومكتوب إختصاراً في ديباجة ذكرنا تفاصيلها آنفاً، بالاضافة لثلاثة محاور رئيسية تمثلت في "ﻗﻀﺎﯾﺎ وﻗﻒ اﻟﻌﺪاﺋﯿﺎت واﯾﺼﺎل المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين". وجاء تفصيل هذا المحور في 9 نقاط تمثل إجتهاد هذا الاتفاق لتحقيق أهداف المحور الأول.
هذا هو "المتن" في المحور الأول للاتفاق، ولا أظن بأن أي عقل ينظر لشهور الحرب المنصرمة ونتائجها على الشعب السوداني، يستطيع أن يتعامى عن الحاجة الماسة لوصولنا لتحقيق غايات هذا المحور. وأن نقاش تفاصيل نقاطة المذكورة هو أجدى وأهم من إغراق النقاشات في "هوامش" مصافحات المجتمعين. وتخيٌل أن هنالك تفاوض لايقاف حرب بين طرفين يمكن أن يتم دون التواصل مع طرفي الحرب لأن هذا يعتبر أصل من أصول التفاوض. والشاهد في ذلك أن القوات المسلحة السودانية نفسها ذهبت اليه في منبر جدة من باب المسؤولية.
المُجدي للأحوال التي يعيشها الشعب السوداني بسبب الحرب هو الذهاب بالنقاش الى متن محور ﻗﻀﺎﯾﺎ إﻧﮭﺎء اﻟﺤﺮب وﺗﺄﺳﯿﺲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺴﻮداﻧﯿﺔ بنقاطه الثمانية بالحذف أو الاضافة أو التعديل بدلاً عن "شيطنة" كل من يتخذ مسارا لايقاف الحرب، وتجنيب السودانيين المزيد من الإنتهاكات، وتصوير أن أي دعوة لذلك هي إنحياز لطرف دون الآخر. وإستدعاء طاقة كراهية تقطع الطريق أمام أهداف هذا المحور دون طرح بدائل موضوعية أكثر إحتراما وموضوعية من توزيع صكوك الوطنية، والإبتزاز السياسي، وهي هوامش لا تنتج غير المزيد من حالات الاحتقان، ورغبات الانتقام والتشفي التي تطيل أمد الحرب.
الإنصراف عن مناقشة "المتون" والتركيز على "هوامش" الكيد السياسي لاعلان أديس ابابا بطريقة نرفضها ولو جاءت مبرأة من كل عيب تعطي المبرر لسوء الظن في دوافع الموقف من الإعلان.
"المتون" التي يجب أن نخاطبها في إعلان أديس أبابا بدلاً عن الكيد السياسي والاحتفالات التي لا مكان لها في عز الهجير الوطني، أن نقول ونذكر الدكتور عبدالله حمدوك ومن معه في "تقدم"، بأن الشعب السوداني دفع كلفة هشاشة "الوثيقة الدستورية". وإنصرافكم لنقاش "الهوامش" دون المتون أدخلنا في متاهة عدد المدنيين في مقابل العسكريين في المجلس السيادي، وصلاحيات السيادي، وإستبدال تشكيل المجلس التشريعي المنصوص عليه في الوثيقة بشراكة السيادي ومجلس الوزراء، حتى صدمتنا كارثة فض الاعتصام، ثم فض الشراكة نفسها بانقلاب 25 أكتوبر. إذن يجب أن نتعلم من الدروس.
يجب أن تعلم تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية "تقدم" إن من بين مسؤولياتها التنسيق بين كل المبادرات المطروحة لايقاف الحرب في السودان، لأن إغراق الساحة بالمنابر والمبادرات من شأنه أن يعطل مجهودات السلام، ويرفع من حالة الإستقطاب في المنطقة والاقليم. ولا نرى فروقات جوهرية بين ما تم التوصل اليه في منبر جدة، وماخرج من لقاءآت دول جوار السودان أو ماإجتهدت فيه "الإيغاد".
في ما يخص المحور الثالث في إعلان أديس ابابا، والمتعلق بالآليات يجب على "تقدم" ألا تعتمد كلية على مخزن المصطلحات التي تخاطب عاطفة الثوريين بتسميات اللجان بالوطنية. وذلك لأن الذاكرة القريبة للثورة ليست على علاقة وُد مع هذا النوع من التسميات، لانها ليست كافية تماما للاعتقاد باداء المهام كما يجب.
"المتون" في قصة حلول الحرب ليست في الدخول في مناطحة طواحين هواء دعاة الحرب، وإنما في نشر الوعي والتنوير بمحتوى وأهداف الإعلان، وخلق أكبر إصطفاف مدني خلف تتسيقية "تقدم" لايقاف الحرب، طالما ان هنالك وعي وإدراك بالجهات صاحبة المصلحة في توسيع إصطفاف الحرب وقطع مسار إستعادة إستقرار الدولة السودانية.
يجب إدخار كل طاقات التنسيقية لإكمال مشوار الإعلان باقناع قيادة القوات المسلحة السودانية بصلاحية الاعلان لان يكون هو الطريق لايقاف الحرب والتأسيس لبناء التحول المدني الديموقراطي.