مسؤولية الحزب الشيوعي في الحرب لا تقل عن مسؤولية الفلول
محمد عبد الماجد
لم يفتح الله على الحزب الشيوعي السوداني بكلمةٍ واحدةٍ، ناهيك عن بيان صحفي منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023م، واكتفى الحزب الشيوعي بدور المتفرج، إلّا من تصريحات عرجاء وربما بيانات خجولة لم يكن لها أثرٌ، ولم يلتفت إليها أحدٌ أو ينتبه لها، ولا تقتل ذبابةً، وقد كانت تلك البيانات ان وجدت تأتي فقط من باب تجميل وجه الحزب أو إظهار دوره في الساحة حتى لا يصبح نسياً منسيا.
الحزب الشيوعي من فينة لأخرى يُريد أن يذكر الناس بأنّه موجودٌ بعد أن طاب لهم العمل في باطن الأرض حتى في ظل الحكومات التي تُنادي بالمدنية وتدعو للديمقراطية والسلام والحرية والعدالة. الحزب الشيوعي لم يظهر ولم تبدُ شراسته إلّا عندما التقت (تقدم) بقيادة الدكتور عبد الله حمدوك بقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.
أين كان الحزب قبل ذلك؟ هذه البيانات والانتقادات أولى بها فلول النظام البائد وليس حمدوك. إنّهم أدانوا السلام بصورة اعنف من إدانتهم للحرب. يا للعجب!
سكتوا على انتهاكات الدعم السريع وقصف الجيش للمدنيين، واعترضوا على اتفاقية تخلص إلى حكومة مدنية، وخروج الجيش والدعم السريع من الاقتصاد والسياسة. الحزب الشيوعي لا يحس بوجوده ولا يكسب شرعية لتحركاته السياسية، إلّا إذا كان ردة فعل لأفعال حمدوك. هكذا اختار الحزب الشيوعي أن يكون وجوده فقط من ردة فعله لفعل حمدوك.
انتقد الحزب الشيوعي السوداني، إعلان أديس أبابا الذي تمّ التوقيع عليه مؤخراً بين تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) وقوات الدعم السريع. وقال إن "الاتفاق خرج من مهامه التي كانت متوقعة والمطلوبة العاجلة لوقف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية للمتضررين". المشكلة التي سوف تعيدنا للحرب هي ألا نصل إلى اتفاق للأوضاع بعد وقف الحرب، ماذا بعد وقف الحرب؟ (تقدم) قفزت إلى أس المشكلة.
المكتب السياسي للحزب الشيوعي في بيان له ذكر أن القضية العاجلة التي تمثل مطلب الجماهير، كانت ولازالت هي وقف الحرب وفتح الممرات الآمنة لوصول الإغاثة للمتضررين، وتأمين عودة النازحين إلى مناطقهم وقُراهم ومنازلهم. هذه الحرب الآن مُشتعلة بسبب الخلاف حول المصير بعد الحرب، إذا أردت أن توقف الحرب اتفقوا حول ما بعد الحرب، هنا تكمن المشكلة، ولكن فيما يبدو أن الحزب الشيوعي يعيش فقط اللحظة في صدور البيان ووقته ولا يعنيه ما يحدث بعد ذلك.
وأضاف بيان الحزب الشيوعي: "لكن الاتفاق خرج من مهامه التي كانت متوقعة والمطلوبة العاجلة لوقف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية للمتضررين، إلى اتفاق سياسي مع الدعم السريع، المُتورِّط مع الطرف الآخر في جرائم الحرب والانتهاكات التي أشار إليها الإعلان".
وتابع البيان: "ليس من حق مجموعة (تقدم) الخروج عن المهام المطلوبة في وقف الحرب، والدخول في شكل الحكم (فيدرالي ...الخ)، علماً بأن شكل الحكم لا يقرر فيه الطرفان اللذان لا يمثلان شعب السودان، بل يقرر فيه المؤتمر الدستوري". ومن الذي يمتلك الحق الآن ويتحرك به؟ حتى يحاسب الحزب الشيوعي (تقدم) في هذا الحق.
واعتبر البيان أن الإعلان تحايل على مبدأ الإفلات من العقاب بالحديث عن العدالة الانتقالية، مما يؤدي إلى الإفلات من العقاب عن جرائم الحرب ومجزرة فض الاعتصام وبقية المجازر ضد الإنسانية. من أين جاء الحزب الشيوعي بهذا الاعتقاد، كأنهم يتحدثون عن اتفاق آخر.
وأوضح بيان الحزب الشيوعي أن الاتفاق أشار إلى التعامل الإيجابي مع المؤسسات الموجودة حتى يتم قيام الجيش. هذا أمر طبيعي إذا أردنا الوصول إلى سلام. السلام لا بد أن تحدث فيه تنازلات، لا أقول (عفو)، ولكن أقول في المرحلة الأولى لا تستطيع أن تصل إلى اتفاق أو سلام تدخل فيه قيادة مليشيات الدعم السريع للسجون. هذه الأمور تحدث فقط إذا تحقق نصر عسكري، وبما أنّ ذلك غير ممكن الآن لا بد أن تتنازل وتحقق انتصاراً وتتقدم ببعض التنازلات.
بيان الحزب الشيوعي أشار إلى رفضه تكرار أي شكل للشراكة مع العسكر والدعم السريع، وخروج العسكر و”الجنجويد” من السياسة والاقتصاد، والترتيبات الأمنية الدولية المعروفة لحل مليشيات الدعم السريع، ومليشيات فلول النظام المدحور وحلفائهم وجيوش الحركات، وقيام الجيش القومي المهني المُوحّد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية. وهذا ما حدث فعلياً في إعلان أديس أبابا الذي جمع بين تقدم والدعم السريع في إيقاف الحرب، وقد جاء في مسودة إعلان أديس أبابا التي تجاهلها الحزب الشيوعي عمداً:
(اﻟﻘﻄـﺎع اﻷﻣﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﺎﻋﺎت اﻟﻤﮭﻤﺔ في اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ، عليه ﯾﺠﺐ ﺗﻨﻔﯿﺬ ﺑﺮاﻣﺞ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻹﻋﺎدة ﺑﻨﺎء وﺗﺄسيس اﻟﻘﻄﺎع اﻷﻣﻨﻲ وﻓﻘـًﺎ ﻟﻠﻤﻌﺎﯾﯿﺮ اﻟﻤﺘﻮاﻓﻖ ﻋﻠﯿﮭـﺎ دوﻟﯿﺎ، ﻋﻠﻰ أن ﺗﺒﺪأ ھـﺬه اﻟﺒﺮاﻣﺞ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎطﻲ إﯾﺠﺎﺑﯿﺎً ﻣﻊ اﻟﻤﺆسسات اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﺣﺎﻟﯿﺎ، وﻋﻠﻰ أن ﺗﻔﻀﻲ ھﺬه اﻟﻌﻤﻠﯿﺎت ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﺟﯿﺶ واﺣﺪ ﻣﮭﻨﻲ وﻗﻮﻣﻲ، ﯾﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻛﻞ اﻟﺴﻮداﻧﯿﯿﻦ وﻓﻘًﺎ ﻟﻤﻌﯿﺎر اﻟﺘﻌﺪاد اﻟﺴﻜﺎﻧﻲ، وﯾﺨﻀﻊ ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ، وﯾﺪرك واجباته وﻣﮭﺎمه وﻓﻘًﺎ ﻟﻠﺪﺳﺘﻮر، ﻟﺘﻀﻊ ﺣﺪًا ﻗﺎطﻌﺎ ﻟﻈﺎھﺮة ﺗﻌﺪد اﻟﺠﯿﻮش (اﻟﻘﻮات المسلحة، اﻟﺪﻋﻢ السريع، اﻟﺤﺮﻛﺎت المسلحة، واﻟﻤﻠﯿﺸﯿﺎت) ﺧﺎرج إطار اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻤﮭﻨﻲ اﻟﻘﻮﻣﻲ اﻟﻮاﺣﺪ، ﻣﻊ ﺿﻤﺎن ﺧﺮوج اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻷﻣﻨﯿﺔ (اﻟﻘﻮات المسلحة واﻟﺪﻋﻢ اﻟﺴﺮﯾﻊ والشرطة وﺟﮭﺎز اﻟﻤﺨﺎﺑﺮات) ﻣﻦ اﻟﻨﺸﺎط السياسي واﻻﻗﺘﺼﺎدي وﻗﺒﻮﻟﮭﻢ ﺑﺎﻟﻤﺒﺎدئ اﻟﻤﺬﻛﻮرة أﻋﻼه، وﺗﻌﮭﺪھﻢ ﺑﻤﺴﺎﻧﺪة ﻋﻤﻠﯿﺎت اﻻﻧﺘﻘﺎل اﻟﻤﺪﻧﻲ اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﻲ واﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﺳـﺘﺪاﻣﺔ واستقرار اﻟﻨﻈـﺎم اﻟـﺪﯾﻤﻘﺮاطﻲ وﺗﻮﻓﯿﺮ الضمانات اﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ ﻟﻘﯿﺎم ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻻﺳﺘﻜﻤﺎل ﻣﮭﺎم اﻻﻧﺘﻘﺎل واﻟﺘﺄﺳﯿﺲ اﻟﺪﺳﺘﻮري واﻟﺴﯿﺎﺳﻲ واﻹﺻﻼح اﻹداري واﻟﻤﺎﻟﻲ واﻻﻗﺘﺼﺎدي، وإزاﻟﺔ آﺛﺎر وإﻋﺎدة ﺑﻨﺎء ﻣﺎ دﻣّﺮته اﻟﺤﺮب).
هذه المسودة وصلت للحزب الشيوعي باللغة العربية ام وصلتهم بلغة طيرها عجمي؟ هذا الجزء في مسودة الاتفاق يمثل أعظم انتصار لإعلان أديس أبابا، ولكن الحزب الشيوعي أغفل ذلك، وتحدث عن أمور افترضها من نفسه. بل إنّ الإعلان ذهب الى أبعد من ذلك، ربما أبعد حتى من خيال الحزب الشيوعي وطموحاته وقال نصاً: «السلام المستدام في السودان يجب أن يستند على إطلاق عملية شاملة للعدالة الانتقالية».
وجاء في المسودة أيضاً: (إطلاق ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﻌﺪاﻟﺔ اﻻﻧﺘﻘﺎﻟﯿﺔ، ﺗﻜﺸـﻒ اﻟﺠﺮاﺋﻢ وﺗﻨﺼﻒ اﻟﻀﺤﺎﯾﺎ وﺗﺠﺒﺮ اﻟﻀﺮر وﺗﺤﺎﺳﺐ اﻟﻤﻨﺘﮭﻜﯿﻦ ﺑﻤﺎ ﯾﻀﻤﻦ ﻋﺪم اﻹﻓﻼت ﻣﻦ اﻟﻌﻘﺎب، وتصميم ﺣﻤﻠﺔ ﻟﻤﻜﺎﻓﺤﺔ ﺧﻄﺎﺑﺎت اﻟﻜﺮاھﯿﺔ وﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﺘﻌﺎﻓﻲ اﻟﻮطﻨﻲ).
ماذا يريد الحزب الشيوعي أكثر من ذلك؟ الحزب الشيوعي نظرته لهذا الاتفاق لا تختلف كثيراً عن رؤية الفلول له. وقد تشابه دور الشيوعي مع الحركة الإسلامية، ورموز النظام البائد، وتشابه علينا البقر، ليس في هذا البيان فقط، بل في إضعافهم للحرية والتغيير، والحكومة المدنية منذ توقيع الوثيقة الدستورية واختيار الدكتور عبد الله حمدوك رئيساً للوزراء.
لا أدري ماذا يُريد الحزب الشيوعي وما هي حلوله لهذه الأزمة؟ مع الإيمان التام بمحاسبة الدعم السريع ومحاكمة القيادات التي أشعلت الحرب وتسبّبت في مجزرة فَضّ الاعتصام، وقد كان الفلول شركاء في كل هذه الكوارث. انقلاب 25 أكتوبر كان من تخطيط الفلول، وهو الذي قادنا إلى هذه الحرب. ودور الحزب الشيوعي في ذلك الانقلاب لا يقل كثيراً عن دور الفلول، لأنّ الحزب الشيوعي هو أول من ضرب في حكومة حمدوك الأولى. وهو الذي كان باسم الثورة ينتقدها ويحاصرها ويُحرِّض عليها الشارع، حتى أضعفها. وقتها كان الكيزان والفلول لا يمتلكون جرأة لانتقادها، ولكن الحزب الشيوعي هو من مكّنهم في ذلك، وهو الذي يقف الآن متوافقاً مع المؤتمر الوطني المنحل أمام السلام، ويرفضون أي خطوة تؤدي إليه.
العدالة الناجزة لن تتحقّق بين يوم وليلة، ولن نصل إليها عبر خطوة واحدة. هذا مشوارٌ طويلٌ وعملٌ يحتاج إلى تنازلات وسياسة وسلام. لم يعد عند الحزب الشيوعي شئٌ يقدمه غير الاعتراض، دون أن يضع اعتباراً لوضع البلد وآمنه واستقراره. إنّ أسوأ عمليات النضال وأقل درجاته هي تلك التي تتمثل في الاعتراض والخلاف.
السلبية هي فيما يفعله الحزب الشيوعي السوداني، ليس فيما يفعله الآن، وإنّما فيما يفعله منذ سقوط نظام الإنقاذ. محاربة الحزب الشيوعي للحكومات الديمقراطية، أقوى وأعنف من محاربتهم للحكومات العسكرية والشمولية. انظروا فقط إلى ما فعلوه في الصادق المهدي وحمدوك، وفيما يفعلونه مع البرهان وحميدتي الآن.