15/02/2024

العدالة والمصالحة التقليديتان بعد الصراعات العنيفة: التعلم من التجارب الأفريقية 4 - 5

لوك هويسه

2.3. سمتان بارزتان
نشرت المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي وهي منظمة غير حكومية في عام 2002، تقريراً حول دور أنظمة العدالة غير الرسمية في أفريقيا جنوب الصحراء، لكن دون التركيز على سياق ما بعد الصراع. يحتوي التقرير قائمة طويلة من الخصائص المثالية المعتادة لمثل هذه الأنظمة (انظر المربع 1). هذه القائمة مفيدة جداً. يشيرالبندان الأولان فيها الى المصالحة والمساءلة، ومن خلال مصطلح ‹تصالحي›، الى عناصر السعي لمعرفة الحقيقة والتعويض وإصلاح الضرر، وهي الأهداف الأدوات التي تمت مناقشتها في القسم 2.1.3. ومن ثم هناك خصائص تقدم تعبيراً ملموساً عن الطبيعة الطقسية – المجتمعية لها، وهي سمة تشكل اختلافاً جوهرياً عن الأدوات العقلانية – القانونية مثل المحاكم الجنائية. النقاط المتبقية في القائمة تعبر أيضاً عن خاصية مهيمنة أخرى تتمثل في أن معظم العمليات يتم إطلاقها وإدارتها من قبل لاعبين في المجتمع المدني ،في تناقض واضح مع النماذج الموجودة في الدولة لتسوية الصراعات .

المربع 1: الخصائص المثالية – المعتادة لأنظمة العدالة غير الرسمية في أفريقيا جنوب الصحراء
1. التركيز على المصالحة واستعادة الانسجام الاجتماعي.
2. التأكيد على العقوبات التصالحية.
3. ينظر الى المشكلة على أنها تتعلق بالمجتمع أو المجموعة بأكملها.
4. يتم اتخاذ قرارات إنفاذ الأحكام من خلال الضغط الاجتماعي.
5. ليس هناك تمثيل قانوني احترافي.
6. يتم التأكيد على القرارات من خلال طقوس تهدف الى إعادة الإدماج.
7. قواعد مرنة للأدلة والإجراءات.
8. العملية طوعية وتتخذ القرارات بالتوافق.
9. يُعين المحكمين التقليديين من داخل المجتمع المحلي على أساس المكانة أو النسب.
10. هناك درجة كبيرة من المشاركة الشعبية.

Access to Justice in Sub-Saharan Africa: The Role of،
Traditional and Informal Justice Systems (London: PRI, 2002), p. 112
المصدر: المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي

1.2.3. الإجراءات الطقسية – المجتمعية
تدّعي الأنظمة الغربية للعدالة بأنها تحيط بمبادئ المساءلة والتعويض، وأيضاً، ولو بدرجة أقل، الحقيقة واستعادة العلاقات المقطوعة. وهكذا فإن المؤسسات الحديثة والأصلية القديمة لتسوية النزاعات تسعى لتحقيق نفس الأهداف. لكنها تختلف، بشكل أساسي فيما يتعلق بالإجراءات التي تضعها للوصول الى هذه الأهداف. تتمثل خصوصية طقوس الماتو أوبوت في شمال أوغندا والجهود التي تبذل لإعادة إدماج الجنود الأطفال السابقين في سيراليون في استخدام المكونات الطقسية، مثل سحق بيضة بالقدم، غسل الماضي الشرير بالماء أو الزيت المقدس، شرب عصير نبتة أو شجرة، استحضار الأسلاف، وإحداث حالة من الغشية. الأرواح تهيمن على المشهد في موزمبيق. كما يكتب فيكتور أغريجا وبياتريس دياس-لامبرانكا:

الناس في غورونغوزا، كما في العديد من أنحاء أفريقيا، يعيشون في عالم اجتماعي يعتقد تقليدياً بأن موت الأفراد من خلال أفعال صادمة، أو انتهاك المحظورات، مثل قتل الناس دون شرعية روحية و/أو اجتماعية، يشكل جريمة تتطلب عقاباً فورياً من خلال التكفير عن الذنب. إذا لم يتم الاعتراف بالذنب، فإن روح الضحية البريئة ستعود الى عالم الأحياء للقتال من أجل العدالة.

لا تغيب العناصر الطقسية بشكل كامل عن المحاكم الحديثة. انظر الى اللغة الرصينة، والأثواب والشعر المستعار الذي يرتديه القضاة والمحامون. إلا أن اللهجة الطاغية تبقى عقلانية. كما أن ثمة اختلافاً محورياً آخر يتمثل في غياب الأدوات القانونية في جميع ممارسات العدالة التقليدية تقريباً. ليس هناك تمثيل قانوني احترافي، كما تتسم قواعد الأدلة والإجراءات بالمرونة. إضافة الى ذلك، فإن منطق القانون الجنائي مختلف .ينبغي أن يفضي الى قرارات بـ ‹نعم أو لا›. ينبغي أن تكون حصيلة المحاكمة ‹مذنب› أو ‹غير مذنب› للوصول الى مثل هذه الأحكام الواضحة، على المحاكم الجنائية أن تطبق قواعد صارمة. كما أنها تحدد كمية المعلومات التي تتم معالجتها. لكن خلال الصراعات العنيفة، فإن سلوك المرتكبين غالباً ما يكون في منطقة رمادية يختلط فيها كون المرء مذنباً وغير مذنب. يمثل الجنود الأطفال، الذين اختطفوا من أسرهم وأجبروا على ارتكاب جرائم مروعة خلال الصراعات العنيفة في سيراليون وأوغندا ومناطق أخرى، حالة واضحة في هذا الصدد. لا تمتلك المحاكم عادة القدرة والمرونة اللازمتين للتعامل مع مثل هذه التعقيدات. إن استخدام مزيج من الكلام المنمق والمسهب، وهي الطريقة الأفريقية لإطالة النقاشات، والأفعال الطقسية تتيح من حيث المبدأ فرصاً أكبر لاستكشاف قضايا المساءلة والبراءة والذنب، التي تعد جزءاً محورياً في تركات الصراعات العنيفة. غير أن مؤسسة الغاتشاتشا أكثر غموضاً. يلاحظ بيرت إنغليير، مؤلف دراسة الحالة في هذا الكتاب: ‹يبدو أن تكرار فعل التجمع في جلسات الغاتشاتشا، بصرف النظر عما يتم فعله هناك من حيث المحتوى، هو الذي يحدث أثر التحول على العلاقات الاجتماعية مع الأشخاص الذين يتم لقاؤهم في تلك الاجتماعات. أما محتوى هذه المواجهات، فيتم التعامل معه طبقاً لمنطق الملاحقة القضائية التي تحد من النواحي الخطابية المرتبطة عادة بالأفعال الطقسية أو البعد الحواري أو العلاجي لعمليات البوح بالحقيقة›.

الأنظمة الحديثة للعدالة مصممة لتحديد المسؤولية الفردية، بينما ينظر الى مسألة الذنب والعقاب، وكون المرء ضحية والتعويض على أنها جماعية في معظم المجتمعات الأفريقية. علاوة على ذلك، فإن المحاكمات تعترف فقط بالذنب الجنائي، وليس بالمسؤولية السياسية أو الأخلاقية.

وقد يكون الأمر الأكثر أهمية هو البعد المجتمعي. ينظر الى الذنب والعقاب، وكون المرء ضحية والتعويض بوصفها مسألة جماعية في معظم المجتمعات الأفريقية .ويتم حث المجتمع على القبول بالمسؤولية عن أفعال مرتكب معين، أو الانخراط في عملية معالجة ضحية معينة. الأنظمة الحديثة للعدالة، مصممة لتحديد المسؤولية الفردية. علاوة على ذلك، فإن المحاكمات تعترف فقط بالذنب الجنائي، وليس بالمسؤولية السياسية أو الأخلاقية.

2.2.3. المجتمع المدني بوصفه الشريك المعني الرئيسي
يتم إطلاق وتنظيم مكونات مهمة من سياسات العدالة الانتقالية من قبل سلطات الدولة. وتشكل الملاحقات القضائية الجنائية النموذج الرئيسي لهذه السياسات. حتى هيئات الحقيقة، كثيراً ما تعمل في ظل الدولة. تظهر دراسات الحالات، أن مركز الجاذبية يختلف في حالة جميع الممارسات الأصلية لدى الشعوب .المجتمع المدني بمختلف أشكاله (التقليدية والثقافية والزعماء الدينيين؛ والحكماء؛ وقادة المجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية المحلية ووسائل الإعلام) هي عادة التي تضع القواعد، وتعيّن العاملين الرئيسيين )الوسطاء والمحكمين والقضاة الشعبيين) وتراقب تنفيذ القرارات المتخذة. إضافة الى ذلك، هناك من حيث المبدأ درجة كبيرة من المشاركة الشعبية. تهدف جلسات الغاتشاتشا على مستوى الهضاب الرواندية لاجتذاب شرائح واسعة من السكان (الحضور هناك إجباري). هذه المشاركة الواسعة في التجارب، تميزالحالات الأخرى أيضاً. من جهة أخرى، فإن المحاكم الجنائية أكثر بعداً عن أولئك الذين كان لهم علاقة بالأحداث إما كضحايا أو كمذنبين. لقد أدى هذا الى شكاوى، خصوصاً فيما يتعلق بالمحاكم الخاصة في لاهاي (ليوغسلافيا السابقة) وأروشا (رواندا)، وبمحكمة الجنايات الدولية الدائمة. إن التصور ببعد المحاكم الدولية عن السكان الذين كانوا ضحايا لانتهاكات وغياب الوصول المباشر الى هذه المحاكم ،يصاغ أحياناً على شكل تشكيك بالشرعية الأساسية لمثل تلك المؤسسات ‹الدولية› بالتعامل مع جرائم الحرب ‹المحلية›.

3.3. تنوع مثير للإعجاب
حتى هذه النقطة، ركز التحليل المقارن على أوجه الشبه العديدة بين الآليات التقليدية في البلدان الخمسة. إلا أن هناك قدراً كبيراً من التنوع من حيث الشكل والمحتوى.

لم تعد جميع ممارسات العدالة والمصالحة الأصلية، إذا توخينا الدقة، تقليدية. إلا أن بعضها أحدث من بعضها الآخر. تشكل طقوس روح الغامبا مثالا على آلية صممت حديثاً استناداً الى مكونات موجودة مسبقاً، وكانت ضرورية لملء الفراغ الذي أحًدثته ثقافة الإنكار في موزمبيق. تمكن الناجون من الحرب في منطقة غورونغوزا من تطوير آلياتهم الاجتماعية – الثقافية الخاصة للحصول على العدالة والمصالحة في أعقاب الحرب الأهلية. تنص اتفاقية جوبا بين الحكومة الأوغندية ومقاتلي جيش الرب للمقاومة على تعزيز أدوات العدالة المحلية، ‹مع إجراء التعديلات الضرورية›. هذا سيغير الماتو أوبوت وغيرها من الممارسات الموجودة في شمال أوغندا. إلا أن التحول الأكثر راديكالية، طرأ على الغاتشاتشا في رواندا. لارس ولدورف يكتب: ‹في الواقع، فإن الغاتشاتشا كانت دائماً خليطاً صعباً من العدالة التصالحية والجزائية: اعترافات واتهامات، تسويات ومحاكمات، صفح وعقاب، خدمة المجتمع المحلي ،والسجن›. إلا أن تحديثها من قبل النظام الفعلي جعلها ‹جزائية على نحو متزايد، سواء من حيث التصميم أو الممارسة› (Waldorf 422 :2005). لقد أحدثت التشريعات إجراءات قانونية، وفرضت سيطرة الدولة وأجبرت السكان على المشاركة. لقد باتت محكمة غاتشاتشا اليوم عنصراً خارجياً في سياق هذا المشروع.

كما أن الممارسات تختلف أيضاً، من حيث الترتيب الذي يعطى لأهداف المصالحة والمساءلة والسعي لمعرفة الحقيقة والتعويض. طقوس التطهير وإعادة الإدماج في سيراليون (كما في ليبيريا)، تعطي الأولوية لجمع المقاتلين العائدين وأسرهم وضحاياهم. في حالة روح الغامبا يكون التأكيد على قول الحقيقة ،رغم أن الأهداف الأخرى ليست غائبة أيضاً. المساءلة، هي الهدف الرئيسي في إجراءات الغاتشاتشا. تشمل الأوبوشنغنتاهي في بوروندي مزيجاً متوازناً، الى حد ما، من المكونات الأربعة.

وأخيراً، فإن قدراً كبيراً من التنوع ينتج عن السياق الأوسع الذي ينبغي للآليات التقليدية أن تعمل من خلاله. قانون العفو في موزمبيق يوفر بيئة مختلفة تماماً عن مثيلتها في سيراليون، مع وجود محكمة خاصة ولجنة حقيقة ومصالحة. القسم التالي، يستكشف مصدر هذا التنوع.

4.3. الآليات القائمة على التقاليد: من استبعادها الى إدماجها الكامل
لقد نزعت الوثائق المكتوبة عن العدالة الانتقالية، في كثير من الأحيان، الى دراسة تشريعات العفو والمحاكمات ولجان الحقيقة وغيرها من الإستراتيجيات كما لو أنها تعمل في فراغ مجتمعي. لكن، وكما يلاحظ تقرير نشر مؤخراً، فإن ‹التدخلات الإستراتيجية أو التغييرات المعتزمة في جزء من النظام تؤثر في جميع الأجزاء الأخرى من خلال المسارات والتداعيات› (Baines Stover and Wierda 6002: 3). وبالفعل، ينبغي أن تعطى الأفضلية لمقاربة أكثر شمولاً.

1.4.3. الحاجة الى مقاربة شاملة
جميع الأنظمة الخارجة من صراع مدمر تواجهها أجندة انتقالية هائلة. وهذا يطرح مشاكل معقدة حول الأولويات وتتابع العمل. متى ينبغي معالجة تركة أحداث العنف واسعة النطاق، إذا كانت الاحتياجات الأساسية في المناطق والمتمثلة في الأمن الشخصي والسكن وما الى ذلك لا تزال دون تلبية؟ أو إذا لم يكن الصراع قد انتهى بعد، كما هو الحال في شمال أوغندا، هل تعطى الأولوية لتحقيق السلام أو العدالة أولا؟ً

متى ينبغي تطوير أنشطة العدالة والمصالحة؟ ما الذي ينبغي أن يحدث أولاً، مبادرات العلاج، أو سجن المرتكبين الرئيسيين، أو الشروع بطقوس التطهير وإعادة الاندماج، أو إنقاذ الوثائق الحيوية؟ ما هو الإيقاع السليم؟ تشير التجربة الى أن من شبه المؤكد أن تحدث المقاربة المتسرعة أثراً عكسياً.

بالنظر الى تقلب السياق المباشر لما بعد الصراع، فإن التوقيت والتتابع على وجه الخصوص يمثلان بعداً مهماً جداً لكنه صعب. لا ينبغي للسياسات أن تأتي مبكرة أو متأخرة أكثر مما ينبغي. وهناك أسئلة وتحديات كثيرة جداً. متى ينبغي تطوير أنشطة العدالة والمصالحة؟ لا شك في أنه سيكون للقرارات أثر كبير على الحصيلة النهائية. كي يتوصل صناع السياسات الى التوقيت المناسب، عليهم أن ‹يفهموا المرحلة›، بمعنى أن يقوموا بقراءة جيدة للقوى التي تؤثر في الأجندة الانتقالية؛ وأن يعوا أهمية الإجراءات على المدى البعيد؛ وأن يعوا أيضاً أن مجرد مرور الوقت لن يؤدي في النهاية الى بلسمة جميع الجراح الفردية والجماعية. ثم، حالما يتم اتخاذ القرار بمعالجة جرائم الماضي، ما هو التوقيت المناسب؟ أي سياسة بحاجة الى ‹خطة مسار› للتحكم بالتتابع الصحيح لخطوات وأبعاد العملية. ما الذي ينبغي أن يأتي أولا – مبادرات العلاج، سجن المذنبين الرئيسيين، اًلشروع في طقوس التطهير وإعادة الاندماج، أو الاحتفاظ بالوثائق كي يتم البحث مستقبلاً عن الحقيقة؟ قد يؤدي التتابع الخطأ الى نتائج غير مرغوبة. قد يؤدي التهديد بمحاكمة المشتبه بهم الى دفعهم الى تدمير الأدلة. إن إعطاء الأولوية لقول الحقيقة يمكن أن يحبط الضحايا الذين يكونون بحاجة ماسة الى المعالجة. وأخيراً، ما هو الإيقاع الصحيح لهذا التتابع؟ تشير التجربة الى أنه من شبه المؤكد أن تحدث المقاربة السريعة، وهي التي يشجعها بانتظام صناع السلام والميسرون الوطنيون والدوليون، أثراً عكسياً. بعد الحرب الأهلية مباشرة أو بعد نهاية نظام غير إنساني، يكون الضحايا منشغلين بمصائبهم ومحنهم، بحيث لا يستطيعون تطوير آراء مؤكدة حول كيفية التوصل الى العدالة والمصالحة.

إن العلاقة بين القوى السياسية والثقافية في سياق محدد والتي تحيط ببلد ما بعد الصراع، تلقي بثقلها علىوضع الأولويات وإدارة الوقت.

السياسة
في أي نظام سياسي، هناك عدد من اللاعبين المعنيين؛ وتلعب السلطات الحكومية دوراً حاسماً. المجموعات والمنظمات العديدة الموجودة في المجتمع المدني تشكل فئة مهمة أخرى. وكلا الفئتين تعملان على المستوى الوطني، والمحلي والدولي.

السلطات الحكومية
تظهر دراسة حالة بوروندي بوضوح أن مؤسسة الباشنغانتاهي لم يتم قبولها بعد كمكون حيوي في التعامل مع تركة صراع مستمر ووحشي. ليس هناك إشارة الى أثرها في اتفاقية أروشا للسلام والمصالحة التي وقعت عام 2000، ولا مكان لها في قانون لجنة الحقيقة والمصالحة المقترح تشكيلها، وتغيب أيضاً عن المفاوضات الجارية حالياً بين الحكومة والأمم المتحدة فيما يتعلق بتفويض وتركيبة اللجنة في بوروندي. ويعود هذا جزئياً الى إحجام الحكومة التي يسيطر عليها الباهوتو، حيث ينظر الى الباشنغانتاهي على أنها تخضع لسيطرة الباتوتسي. كما أن ثمة معارضة على المستوى المحلي .الزعماء التقليديون يصطدمون مع أولئك الذين حصلوا على سلطتهم من خلال الانتخابات. وفي معظم الأحيان يتوجب على الزعماء التقليديين التنازل. ويبدو أن المجتمع الدولي، في دوره كميسر لمفاوضات السلام، لم يشعر بالحاجة لمواجهة مصادر المقاومة هذه.

يصطدم الزعماء التقليديون مع أولئك الذين حصلوا على سلطتهم من خلال الانتخابات. وفي معظم الأحيان يتوجب على الفئة الأولى التنازل. تشكل السيطرة الجديدة أو المتجددة على القطاع القضائي عاملاً حيوياً في بناء الأمة والدولة بعد الصراع.

اللاعبون من غير الدولة وهيكليات السلطة التقليدية (الزعماء، والحكماء والقضاة الشعبيون وما الى ذلك) يعدون أهدافاً مهمة لـ ‹سيطرة الدولة›.

كيف يمكن فهم هذه الحصيلة؟ إن العدالة بعد المرحلة الانتقالية تشكل جزءاً من هدف أوسع ينبغي للنظام الجديد السعي لتحقيقه، أي تعزيز سلطته وشرعيته، داخلياً وحيال العالم الخارجي. وهذا سؤال يتعلق ببناء الأمة والدولة. وتشكل السيطرة الجديدة أو المتجددة على القطاع القضائي عاملاً محورياً في هذه العمليات. في بلدان مثل رواندا، لدى القادة السياسيين آليات رسمية وغير رسمية للعدالة، تخضعهم لدرجة وثيقة من التمحيص. كما أن اللاعبين من غير الدولة وهيكليات السلطة التقليدية (الزعماء، والحكماء والقضاة الشعبيون وما الى ذلك) يعدون أهدافاً مهمة أيضاً لـ ‹سيطرة الدولة›. يكون تسييس الزعامات التقليدية في كثير من الأحيان إحدى تبعات هذه العملية، وينتج عنه مشاكل من حيث إضعاف المصداقية، وعدم الكفاءة والفساد. وهذا بدوره قد يقلص بشكل كبير قدرة المؤسسات التقليدية على وضع ضوابط للصراع، حيث إنها تعتمد على هؤلاء الزعماء المحليين. في بعض الحالات، تم إضعاف شرعية هذه الأدوات بسبب الدور الذي لعبه الزعماء التقليديون (رغم أن ذلك كان بالإكراه) خلال الصراع.

المصدر: IDEA

معرض الصور