ستارلينك في السودان: شريان حياة أم ميسر للحرب؟
متابعات ـ مواطنون
منذ أبريل 2023، شهد السودان صراعاً مسلحاً بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وهي مجموعة مسلحة تم تشكيلها في عام 2013 خلال حكم الرئيس المخلوع عمر البشير. تصاعد هذا الصراع بشكل كبير في فبراير 2024 عندما استولت قوات الدعم السريع على مزودي خدمة الإنترنت (ISPs) في الخرطوم، العاصمة، وقطعت الخدمة في جميع أنحاء البلاد، مما حرم الشعب السوداني من وسائل الاتصال.
يروج أنصار قوات الدعم السريع لرواية تبرر هذا الفعل بالقول إنهم يضغطون على القوات المسلحة السودانية ومزودي خدمات الإنترنت لإعادة خدمات الإنترنت في إقليم دارفور، الذي يقع بشكل كبير تحت سيطرة قوات الدعم السريع. ومع ذلك، أكدت منظمات المجتمع المدني أن قطع الخدمة في المنطقة تم بأمر من القوات المسلحة السودانية.
تأثير على الخدمات العامة والقطاع المصرفي
أدى الصراع المستمر إلى تدهور شديد في قدرة السودان على تقديم الخدمات العامة الأساسية، بما في ذلك الخدمات المصرفية الوطنية. فقدت شركة الخدمات المصرفية الإلكترونية (EBS)، التي تشرف على العمليات الإلكترونية الحكومية، القدرة على تقديم خدمات المقاصة، مما عطل التحويلات بين البنوك. علاوة على ذلك، نهبت قوات الدعم السريع البنوك في عدة مدن سودانية، مما أدى إلى طوابير طويلة في المكاتب المصرفية وزاد من تعقيد العمليات المصرفية التقليدية.
أدى هذا الوضع إلى اعتماد الناس على تطبيق بنك الخرطوم المعروف باسم "بنكك " (mBOK)، الذي استمر في العمل بشكل طبيعي رغم الحرب. يعتمد العديد من السودانيين في الشتات على "بنكك" لتحويل الأموال لأهلهم في السودان، مما يجعله مصدراً حيوياً للدخل داخل البلاد. لكن قوات الدعم السريع فرضت قطعاً للإنترنت وعرقلت الوصول إلى تطبيقات مثل "بنكك"، مما أثر على الأنشطة التجارية وحرم الناس من تلبية احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك الحصول على الطعام.
ورغم ذلك، تمكن اثنان من مزودي خدمات الإنترنت الرئيسيين من استعادة خدماتهم من خلال إنشاء مراكز بيانات جديدة في مدينة بورتسودان، العاصمة المؤقتة للسودان، بعد أسبوع وثلاثة أسابيع من الانقطاع، على التوالي. ساعد هذا التطور في التخفيف جزئياً من الأزمة. ومع ذلك، رفضت قوات الدعم السريع السماح لمزودي خدمات الإنترنت باستعادة خدمات الاتصال في ولايتي الخرطوم والجزيرة، حيث لا تزال الخدمة غير متاحة حتى تاريخ كتابة هذا التقرير.
في أم درمان، إحدى مدن العاصمة الخرطوم تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية، واجهت استعادة الخدمة تأخيرات أولية بسبب الحواجز التقنية. لاحقاً، قدمت القوات المسلحة السودانية خدمة الإنترنت مجاناً من خلال تركيب أجهزة ستارلينك في بعض المناطق، مما أتاح للمواطنين مواصلة أعمالهم.
استفادة قوات الدعم السريع من ستارلينك في مناطق الحرب
تشير التقارير إلى أن قوات الدعم السريع تستغل خدمة ستارلينك لتوفير الوصول إلى الإنترنت مقابل رسوم في المناطق التي تسيطر عليها. العدد الدقيق لأجهزة ستارلينك في هذه المناطق غير معروف، لكنها تشمل ولاية الجزيرة باستثناء محلية المناقل، وولاية الخرطوم باستثناء أجزاء من محلية أم درمان. كما تتواجد في ولايات جنوب وشرق وغرب ووسط دارفور. أسعار الاتصال لمدة ساعة واحدة تجاوزت 3000 جنيه سوداني، أي ما يعادل حوالي 2.5 دولار. وذكرت بعض التقارير أن تكلفة الاتصال لمدة ساعة قد تصل إلى ستة دولارات في بعض المناطق.
علاوة على ذلك، في فبراير 2024، فرض المدير التنفيذي لمدينة الجنينة "رسوم استخدام" على من يرغب في تشغيل ستارلينك لأغراض تجارية. تم تحديد هذه الرسوم بـ150,000 جنيه سوداني سنوياً، أي ما يعادل حوالي 100 دولار.
حجب الاتصالات لقطع الإيرادات
رغم أن كلا الجانبين في الحرب السودانية يستغل الإنترنت لتحقيق الإيرادات، يسعى كلاهما بنشاط لقطع الموارد المالية للطرف الآخر، بما في ذلك الاتصالات.
صرح أحمد بن عمر، اقتصادي سوداني بارز، في مقابلة مع "جلوبال فويسز" عبر واتساب: "إن إيقاف قوات الدعم السريع للاتصالات كان يهدف إلى منع توريد الضرائب التي تمول الحكومة والقوات المسلحة السودانية معاً". ومع ذلك، اعتباراً من عام 2018، كان قطاع الاتصالات يمثل 14% من اقتصاد السودان، مع ضريبة قيمة مضافة على الاتصالات بنسبة 40% وضرائب تجارية أخرى.
زعمت صحيفة وول ستريت جورنال أن القوات المسلحة السودانية طلبت من شركة إنترنت إيقاف الأجهزة التي تعمل في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، مما يوضح مدى تأثير الحرب على البنية التحتية. ومن الجدير بالذكر أن ستارلينك غير خاضعة للتنظيم في السودان. ومع ذلك، قررت القوات المسلحة السودانية، من خلال هيئة تنظيم الاتصالات والبريد (TPRA)، حظر استيراد أجهزة ستارلينك إلى السودان. تم اتخاذ هذا القرار قبل قطع الإنترنت بواسطة قوات الدعم السريع.
الدور الاستراتيجي لستارلينك في مناطق النزاع
أصبح مزود الإنترنت عبر الأقمار الصناعية الأميركي، سبيس إكس، المزود الرئيسي للإنترنت في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. يُستخدم أيضاً في مناطق أخرى تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية التي تعاني من فجوات تغطية، مثل مناطق التعدين. بشكل عام، يمتد استخدام ستارلينك إلى ما هو أبعد من السودان، حيث يوفر خدمات أساسية في مختلف النقاط الساخنة التي تتأثر بالصراع المسلح.
على سبيل المثال، تستخدم القوات الروسية ستارلينك في خطوط المواجهة في صراعها مع أوكرانيا. في لبنان، أقامت الحكومة اتفاقاً مع ستارلينك لضمان الاتصال في حالات الطوارئ في حال حدوث أي كارثة في البنية التحتية للاتصالات في البلاد بسبب التعقيدات الناتجة عن الصراع المستمر بين إسرائيل ولبنان. وبالمثل، يُستخدم في اليمن، البلد الذي يعاني من صراع طويل الأمد.
رغم فوائده، يثير الاستخدام الواسع لستارلينك في مثل هذه السيناريوهات الحساسة تحديات أخلاقية. يجب على سبيس إكس تحقيق توازن بين دعم حقوق الإنسان ومنع سوء استخدام التكنولوجيا في الأنشطة الإجرامية والأزمات. يتعين على سبيس إكس تطبيق تدابير أمنية قوية لمنع استخدام تقنيتها في أعمال محظورة تنتهك حقوق الإنسان، حتى لو كان ذلك بشكل غير مقصود.
المصدر: https://advox.globalvoices.org/