فيلم ``السودان، تذكرونا``: الأمل الجماعي لا يمكن سحقه
مواطنون
احتضن مهرجان البندقية في دورته الـ81 عرض الفيلم الوثائقي "السودان تذكرنا"، الذي قدمته المخرجة التونسية هند المؤدب. وسيُعرض الفيلم في عرضه العالمي الثاني خلال الشهر الجاري في مهرجان تورونتو السينمائي بكندا.
تواجه المخرجة هند المؤدب في الفيلم مهمة صعبة للغاية. تسعى إلى سرد قصة أربع سنوات هامة في تاريخ هذا البلد الأفريقي من خلال وجوه وكلمات عدد قليل من الشباب. في تلك الفترة، أطيح بدكتاتورية استمرت 30 عامًا بواسطة ثورة شعبية، ثم سُرقت تلك الثورة بدورها على يد حكام البلاد العسكريين. من خلال التركيز على الشباب الذين كانوا في الصفوف الأمامية، تنجح المؤدب في تحقيق شيء أكثر تأثيراً: نظرة متأملة ومتعاطفة حول كيفية تحفيز الأمل الجماعي لجيل كامل.
يبدأ الفيلم الوثائقي برسائل صوتية متبادلة بين المؤدب وشخصيات فيلمها في الأيام التي أعقبت اندلاع الحرب في أبريل 2023. هذه الأصوات، التي لم تعرف بعد للجمهور عند تقديمها، ممتلئة بمشاعر يمكن التعرف عليها على الفور. اليأس والأمل يتجاوران معاً في تلك الرسائل أثناء تأكيدهم لسلامتهم. أن الحرب ما زالت مستمرة في السودان بعد حوالي 18 شهراً يجعل تلك اللحظات أكثر إزعاجاً. ومع ذلك، فهذا ليس ما يهتم به الفيلم. بل يأخذ الجمهور إلى زمن آخر، في عام 2019، عندما بدا التغيير ممكناً.
تختار المؤدب ثلاثة خيوط سردية لتحكي هذه القصة. بدلاً من متابعة شخصياتها بشكل منفصل، تتابعهم بشكل جماعي، حيث تتجمع قصصهم حسب الموضوع. أولاً، كانت هذه ثورة شعر وفن. ثانياً، كانت ثورة نسوية حيث كانت معظم قياداتها من الشابات اللاتي يسعين إلى التحرر من قيود المجتمع الأبوي. وثالثاً، كانت هذه ثورة بدأت كحديث حول أحلام فردية متواضعة قبل أن تتحول بسرعة، من خلال المشاركة والتضامن، إلى مطالب عامة عالية الصوت.
في بداية تعليقها الصوتي التمهيدي، تعترف المؤدب بأن السودان هو أرض الأدب. لذا، ليس من المستغرب أن تكون عدستها قادرة على التقاط الإيقاع المتدفق للشعر. تُظهر هؤلاء الشباب الثوار، مراراً وتكراراً، وهم يلقون الشعر على بعضهم البعض بينما يحيون أسلافهم الثقافيين. يعبر شعرهم عن اللحظة ويتعلق بوضعهم الخاص، لكنه مستوحى من أولئك الذين قادوا الانتفاضات السابقة في الستينيات والثمانينيات. هذه اللحظات مليئة بالغضب، لكن الكاميرا تظهر أيضاً صمود هؤلاء الشباب وعزمهم على بناء عالم أفضل لأنفسهم. جوقة من الناس يتوقون إلى التغيير بينما توفر الطبول والصفارات وحتى الأحجار التي تُطرق على الأسفلت الموسيقى التصويرية لثورتهم.
بالانتقال من هذه اللحظات الإيقاعية إلى الحوارات العادية، تضيف المؤدب والمحررة غلاديس جوجو بُعداً آخر للسرد. سواء كانوا مجتمعين في المقاهي أو في منازلهم أو في الشوارع، فإن شخصيات الفيلم دائماً ما يتحدثون. يتيح المونتاج للحوار أن يتشكل بسلاسة ويصبح خيطاً موضوعياً أكبر حول حقوق المرأة وسوء الممارسات الدينية، والأهم من ذلك، السودان الذي يأملون العيش فيه. كما أن الكاميرا موجهة نحو المواقع، مما يمنح العاصمة الخرطوم فرديتها كمدينة ذات تاريخ غني بهؤلاء الأشخاص الأذكياء والمتحدثين بطلاقة.
للأسف، تم تدمير كل هذه التطلعات الكبيرة عندما قام الجيش بتفريق اعتصام المتظاهرين بشكل عنيف في يونيو 2019. باستخدام لقطات هاتفية في الغالب، لا تتراجع المؤدب عن عرض الصور المرعبة للتعذيب والترهيب؛ بينما تروي التعليقات الصوتية تفاصيل القتل وسجن آخرين. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الهزيمة، لا تزال الأصوات تحمل معها حلم غدٍ أفضل. هنا تكمن القوة الحقيقية لفيلم "السودان، تذكرونا"، فهو قصة صمود جماعي لا يمكن كسره.
ربما النقطة الوحيدة التي تثير التساؤلات في رسالة المؤدب العاطفية إلى السودان، شعبه وثقافته، تأتي في النهاية. فمن الغريب أنه لفيلم يحتفي بالبلاغة في اللغة العربية واللهجة السودانية، تأتي الأغنية في النهاية باللغة الفرنسية، وهي لغة أجنبية على الشعب السوداني. ومع ذلك، في وقت يمزقه الحرب والجوع وتشريد الملايين، يقدم هذا الفيلم صورة لزمن أفضل لم يكن بعيداً في الماضي. ويمكن اعتباره نذيرًا لمستقبل أفضل، شيئًا يتمسك به الناس حتى تمر هذه الكارثة.