دراسة أممية: الأثر الاجتماعي والاقتصادي للنزاع المسلح على الأسر الحضرية السودانية
مواطنون
قدم مسح الأسر الحضرية في السودان لعام 2024، الذي أجراه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ومعهد بحوث السياسات الغذائية الدولية (IFPRI)، تقييماً شاملاً للآثار الاجتماعية والاقتصادية للنزاع المستمر على الأسر الحضرية في جميع أنحاء السودان. وقد أُجري المسح بين مايو ويوليو 2024، وسلط الضوء على العواقب الواسعة النطاق للنزاع على جوانب الحياة اليومية وسبل العيش، بما في ذلك الدخل، والتوظيف، والصحة، والتعليم، والحصول على الخدمات الأساسية الأخرى، ودرجة ضعف الأسر بشكل عام. تظهر التأثيرات العميقة للنزاع على الأسر الحضرية، مما يبرز الحاجة إلى تدخلات سياساتية وبرامجية عاجلة وموجهة.
وجد المسح أن النزاع تسبب في تغييرات ديموغرافية كبيرة، حيث أصبحت حوالي 31 بالمئة من الأسر الحضرية تقيم في ولايات تختلف عن مواقعها قبل النزاع. لهذه التحولات آثار على النسيج الاجتماعي للمناطق الحضرية، خاصة بالنظر إلى ازدياد هشاشة السكان النازحين. تواجه الأسر النازحة تحديات في تأمين السكن، والخدمات الصحية، وفرص العمل، وهي عوامل ضرورية لاستقرارهم ورفاههم على المدى الطويل.
اقتصادياً، أثر النزاع بشدة على سبل العيش لسكان المناطق الحضرية، حيث شهدت فرص التوظيف تدهوراً حاداً، إذ انخفضت نسبة الأسر الحضرية التي لديها كسب دائم للنصف. انتقلت العديد من الأسر إلى العمل الحر كوسيلة لكسب الدخل، لكنه غالباً ما يكون أقل استقراراً وأكثر عرضة للتقلبات السوقية. وبينما كان 1.6 بالمئة فقط من رؤساء الأسر الحضرية غير موظفين أو بدون دخل قبل النزاع، فإن هذه النسبة ارتفعت بشكل مثير للقلق إلى 18 بالمئة خلال النزاع، مما يشير إلى تفاقم الضغوط الاقتصادية في المناطق الحضرية. هناك حاجة ملحة لبرامج التعافي الاقتصادي وبناء المرونة لدعم كل من الكاسبين والمتعففين في الحصول على سبل عيش مستدامة.
أثر النزاع سلباً على الوضع الصحي للأسر الحضرية، حيث أفاد أكثر من نصف المشاركين في المسح بتدهور الحالة الصحية لأسرهم منذ بداية النزاع، وتفاقم ذلك بسبب قلة الوصول إلى الخدمات الصحية. تدهورت القدرة على تحمل تكاليف الرعاية الصحية، وأصبحت تكاليف العلاج تشكل عبئاً كبيراً على العديد من الأسر، مما يزيد من ضغوطهم المالية التي ضعفت بالفعل بسبب النزاع. سيتطلب التصدي لهذه التحديات الصحية دعماً إنسانياً فورياً واستثمارات طويلة الأجل في دعم وتمويل وإعادة بناء النظام الصحي.
لم يسلم التعليم من تأثيرات النزاع، حيث أفادت ما يقرب من 70 بالمئة من الأسر الحضرية التي لديها أطفال في سن الدراسة بأن طفلاً واحداً أو أكثر قد توقف عن الحضور المدرسي، وذلك في الغالب بسبب إغلاق المؤسسات التعليمية وعدم قدرة الأسرة على تحمل الرسوم المدرسية. ويهدد هذا بتقويض تنمية رأس المال البشري لجيل من الأطفال السودانيين، مما يزيد من خطر الوفاة المبكرة للملايين منهم على مدار حياتهم، مع آثار طويلة الأجل على تعافي البلاد ونموها. يُعد استعادة الوصول إلى التعليم، خاصة من خلال حلول مبتكرة مثل التعلم عن بُعد والتعليم المتنقل، أمراً ضرورياً لمنع الآثار السلبية طويلة الأجل على التعليم.
تراجعت قدرة الأسر الحضرية على الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك المياه والصرف الصحي والكهرباء بشكل كبير منذ بداية النزاع، حيث انخفضت نسبة الحصول على المياه المنقولة بالأنابيب بأكثر من 20 نقطة مئوية، فيما ساءت موثوقية الكهرباء لما يقرب من 90 بالمئة من الأسر التي كانت تتمتع بإمكانية الوصول إلى الكهرباء قبل النزاع. تضيف هذه الاضطرابات في الخدمات الأساسية إلى ضعف السكان الحضريين، مما يعزز الحاجة العاجلة لإعادة تأهيل البنية التحتية. سيكون استعادة هذه الخدمات أمراً بالغ الأهمية لتحسين ظروف المعيشة وبناء المرونة الاقتصادية للأسر الحضرية.
ازدادت المساعدة استجابةً للنزاع، إلا أن معظم الأسر لا تزال تعتمد على شبكات الدعم غير الرسمية بدلاً من أنظمة المعونة الرسمية، حيث تبقى العائلة والأصدقاء المصدر الرئيسي للمساعدة، بينما تصل المعونات الحكومية أو الدولية إلى نسبة صغيرة فقط من السكان الحضريين. يؤكد هذا النقص في الحماية الاجتماعية الرسمية على الحاجة إلى تعزيز النظام الوطني للحماية الاجتماعية وضمان توزيع المساعدات على نطاق أوسع وأكثر عدالة. يُعد توسيع آليات الدعم الرسمي أمراً بالغ الأهمية للمجموعات الضعيفة، مثل الأسر التي تعيلها نساء والتي لا يوجد بها دخل.
كما أدى النزاع إلى زيادة في انعدام الأمن والعنف، حيث أفادت أكثر من 28 بالمئة من الأسر بتعرضها للسرقة أو الاعتداء أو غيرها من التأثيرات المباشرة للنزاع على أمنها. يفاقم هذا الوضع الأمني المستمر المصاعب التي تواجهها الأسر الحضرية، مما يزيد من صعوبة استعادتها وبنائها من جديد. سيكون التعامل مع المخاوف الأمنية المباشرة والعوامل الأساسية التي تسهم في العنف المرتبط بالنزاع عنصراً رئيسياً في خلق بيئة معيشية أكثر أماناً واستقراراً للأسر الحضرية.
في الختام، تكشف نتائج تحليل بيانات مسح الأسر الحضرية في السودان لعام 2024 عن مجموعة من الآثار الاجتماعية والاقتصادية السلبية للنزاع المستمر. يشير التدهور في سبل عيش الأسر والوصول إلى الخدمات الأساسية، خاصة الرعاية الصحية والتعليم، إلى الحاجة العاجلة لتدخلات منسقة ومستدامة. وعند الوصول إلى وقف إطلاق النار والوقف الفوري للعنف، سيتطلب التصدي لهذه التحديات نهجاً متكاملاً لإعادة بناء سبل العيش والبنية التحتية وتعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية من خلال جهود مستهدفة من قبل الحكومة والمنظمات الدولية والمجتمع المدني لدعم السكان النازحين.
من خلال هذه الجهود الشاملة، يمكن للسكان الحضريين في السودان أن يبدأوا في التعافي وبناء مستقبل أكثر مرونة.