ترامب والسودان: من دعم التطبيع إلى إنهاء الصراع المسلح؟
المصدر: www.dw.com
سيركز الرئيس ترامب في سياساته على النزاعات في الشرق الأوسط وأوكرانيا ومع الصين، ولكن هل سيكون السودان أيضا ضمن أولويات سياسته الخارجية، لاسيما وأن إدارته السابقة دعمت بقوة الخرطوم لتطبيع علاقاتها مع تل أبيب؟
في قلب التنافس الدولي على النفط والموارد الطبيعية في غرب إفريقيا، أصبح السودان الغني بهذه الموارد أيضا ساحة لتنافس جيوسياسي بين قوى كبرى وإقليمية مثل الصين والهند وإيران وروسيا ومصر والإمارات، وبينما تسعى الولايات المتحدة إلى جعل إفريقيا قاعدة استراتيجية حيوية لها من أجل تأمين إمدادات النفط وتقليل الاعتماد على الشرق الأوسط المليء بالاضطرابات، فإن السودان في بؤرة هذا الاهتمام المتزايد.
محاولة لكسب الدعم الأمريكي
التسابق على تقديم التهاني للرئيس الأمريكي دونالد ترامب من قبل بعض الشخصيات والقوى السودانية يعكس اهتمام هذه الأطراف بتعزيز علاقاتها مع الإدارة الأمريكية الجديدة. هذا الحرص على التهنئة قد يعبر عن محاولة لكسب دعم سياسي من الولايات المتحدة، خاصة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية المعقدة التي يمر بها السودان، وحاجته إلى علاقات خارجية قوية لدعم استقراره ومساعيه التنموية. فقد هنأت تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية ترامب معربةً عن أملها في أن يلعب دوراً بارزاً في تحقيق السلام في السودان والمنطقة. أما قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فقد وصف فوز ترامب بـ „التاريخي"، وأبدى استعداده للتعاون من أجل تحقيق سلام شامل في السودان، مما يشير إلى رغبة في الاستفادة من الدعم الأمريكي لتحقيق استقرار داخلي. كما عبر رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، عن تطلع السودان لتعزيز العلاقات مع واشنطن، وهي خطوة تشير إلى أهمية العلاقات الثنائية لتحقيق مصالح مشتركة.
ويرى المحلل السياسي صالح شعيب المقيم في فرجينا أن تسارع التهاني لترامب يرتبط برغبة بعض الأطراف السودانية في الاستفادة من علاقات ترامب السابقة في إطار"اتفاقيات أبراهام"، حيث سبق لترامب أن دعم تطبيع السودان للعلاقات مع إسرائيل. كما يشير إلى أن حميدتي والبرهان، اللذين كانا من مؤيدي هذه الاتفاقيات، يسعيان لإظهار ترامب كحليف محتمل، على أمل الحصول على دعم أمريكي في الساحة الدولية.
ووفقاً لآراء سياسيين، تتحمل إدارة بايدن جزءاً من المسؤولية عن تصاعد الصراع في السودان نتيجة تجاهلها للأوضاع هناك بعد إطاحة نظام البشير في شهر أبريل 2019. ففي شهر يونيو من نفس العام، ارتكبت قوات الدعم السريع مجزرة خلال فض الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش السوداني. ورغم هذه الأحداث، كانت إدارة ترامب تركز على تطبيع العلاقات السودانية-الإسرائيلية، مما قلل من اهتمامها بالأزمة السودانية."
وفي عام 2018، أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلاً كبيراً بعد أن قيل إنه وصف بعض الدول الأفريقية بأنها "دول قذرة" خلال اجتماع في البيت الأبيض مع كبار المسؤولين، وهو تعليق أُدين من قبل العديد من الدبلوماسيين والسياسيين، بما في ذلك الدبلوماسيون الأفارقة لدى الأمم المتحدة الذين اعتبروا التصريح "شائناً وعنصرياً وكارهاً للأجانب".
علاقات متقلبة وتحديات مستمرة
في 26 فبراير 2024، أعلن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني ج. بلينكن، عن تعيين توم بيرييلو كمبعوث أمريكي خاص للسودان. وأوضح بأن بيرييلو سيعمل على تنسيق السياسة الأمريكية تجاه السودان وتعزيز الجهود لوقف الأعمال العدائية وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل فعال، دعماً للشعب السوداني في سعيه لتحقيق طموحاته في الحرية والسلام والعدالة. غير أن جهود المبعوث الأمريكي اقتصرت على جولات دبلوماسية لم تثمر حلولا على أرض الواقع.
ويرى مراقبون أن السياسة الأمريكية تجاه السودان ليست على سلم أولويات الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لأنه سيركز بشكل أساسي على القضايا الأكثر إلحاحاً في مناطق أخرى مثل الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا، نظراً للتوترات المستمرة في تلك المناطق وتأثيرها المباشر على الاقتصاد الأمريكي.
في هذا السياق، يعتقد الفاتح عثمان، الرئيس السابق لقسم الشؤون الأمريكية في مركز راصد للدراسات السياسية، أن ملف السودان يعد "ثانوياً" بالنسبة للإدارة الأمريكية. ويضيف أن التعامل مع السودان يتم بشكل أساسي من خلال وكلاء مثل الإمارات والسعودية ومصر، وأن إدارة ترامب كانت تركز على علاقاتها مع شخصيات مثل محمد بن زايد ومحمد بن سلمان والسيسي، وليس من أولوياتها الحسم العسكري أو دعم الديمقراطية في السودان.
غير أن المحلل السياسي صلاح شعيب يشير إلى أن التصعيد المستمر في السودان قد يدفع الإدارة الأمريكية للتدخل بشكل مباشر إذا أصبحت الأزمة تهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي. وفي حال تفاقم الوضع، قد يمارس ترامب ضغوطًا على مستشاريه لتقديم حلول فعّالة، خاصة إذا أصبح الصراع يشكل تهديدًا للمصالح الأمريكية أو حلفاء واشنطن في المنطقة.
أما الفاتح عثمان فيرى أن ترامب لديه القدرة على الضغط على حلفائه لوقف الحرب في السودان إذا تمكّن من تقديم صفقة ترضي الجيش السوداني. ومع ذلك، لا يعتقد أن السودان يمثل أولوية بالنسبة للإدارة الأمريكية في سياق الحروب التي يسعى ترامب إلى إنهائها.
وفي إطار آخر، كان مجلس السيادة السوداني قد أعلن في 23 أكتوبر 2020 عن توقيع الرئيس الأمريكي على قرار إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو قرار اعتبره المجلس "يوماً تاريخياً للسودان"، في ظل القيادة المؤقتة للبلاد خلال المرحلة الانتقالية. ويشير السياسيون إلى أن الولايات المتحدة تتبع سياسات ثابتة تجاه قضاياها الخارجية، بما في ذلك السودان، ولكن أسلوب تنفيذ هذه السياسات يتغير بتغير الإدارات. الفرق الجوهري يكمن في طريقة كل إدارة في خدمة المصالح الأمريكية.
موقف ترامب المحتمل من نفوذ طهران وموسكو
قلّل الزعماء السياسيون الإيرانيون من أهمية نتيجة الانتخابات الأمريكية على سياسات طهران، حيث أكدت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجري، أن فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات لن "يُقلق طهران" ولن يؤثر على السياسات "الثابتة" التي تتبعها، وأضافت مهاجري بأنه "لا يهم من سيكون رئيس الولايات المتحدة، لأن سياساتنا تم التخطيط لها مسبقًا".
من جهة أخرى، أكد ترامب في حملته الانتخابية أن سياسة الرئيس جو بايدن المتمثلة في عدم فرض عقوبات صارمة على صادرات النفط أضعفت واشنطن وزادت من جرأة طهران، مما سمح لها ببيع النفط وجمع الأموال والتوسع في مساعيها النووية ودعم نفوذها عبر جماعات مسلحة.
وفي هذا السياق، يرى المحلل السياسي صلاح شعيب أن "انتخاب ترامب ليس في صالح روسيا وإيران، سواء على صعيد الصراعات الموجودة في اليمن أو سوريا أو السودان، نتيجة للعداوات بين إيران وإسرائيل". ويضيف شعيب أن ترامب "قد يضغط على إيران بسبب مشكلاته معها في ملف السلاح النووي، بينما تدعم إيران الجيش السوداني، مما قد يفتح الباب لوجود حسابات دولية تدفع لدعم قوى أخرى في السودان وهو أمر لا يصب في مصلحة الجيش ومراكز السلطة المحسوبة عليه، خصوصاً أن ترامب حريص على حماية حلفاءه، وخاصة إسرائيل، في ظل دعم السودان السابق لبعض المنظمات الإرهابية مثل حماس".
وحسب محللين، يتمحور قلق واشنطن حول النفوذ المتزايد لمجموعة فاغنر في دارفور، حيث يعتبرون أن هذا النفوذ يسهم في تمكين روسيا من إنشاء ممر عبر السودان يصل إلى مراكزها العسكرية في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى. ويرى الخبراء أن دور فاغنر في السودان يعد جزءاً من محاولات روسيا لتقويض النفوذ الأميركي والفرنسي في أفريقيا، فضلاً عن الاستفادة من ثروات القارة.
من جانبه، يرى الفاتح عثمان، الرئيس السابق لقسم الشؤون الأمريكية، أن العقوبات الأمريكية دفعت السودان إلى التحول شرقاً نحو الصين وروسيا، ويعتقد أن ترامب لن يلجأ إلى فرض عقوبات إلا لإرضاء حلفائه. ويضيف الفاتح أن ترامب يسعى إلى إنهاء عزلة روسيا، حيث يرى أن الوجود الروسي ليس مهددًا ولن يشكل أي تهديد حقيقي، خاصة في ظل أن المنافس الرئيسي لترامب هو الصين، في حين أن الاقتصاد الروسي ليس ضمن القوى الاقتصادية المنافسة، بينما التواجد الإيراني في المنطقة لا يشكل تهديدًا كبيرًا.
أما فيما يتعلق بالمستقبل، فالسودان يواجه تحديات كبيرة في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، وخاصة مع تصاعد النزاع الداخلي. يبقى الأمل في أن تقدم الولايات المتحدة، بموجب تعيين مبعوث خاص مثل توم بيرييلو، مساعدة حقيقية لتحقيق التهدئة، خاصة في حال تصاعد العنف بشكل يهدد الأمن الإقليمي.
وفي الختام، يبقى السؤال هل تبقى العلاقات السودانية الأمريكية محكومة بالمصالح الاستراتيجية التي تركز بشكل رئيسي على النفوذ في أفريقيا ومحاربة الأنشطة الإرهابية، في حين قد تتغير طريقة التعامل حسب تطور الأحداث على الأرض.