في حوار مع الخبير د. صلاح الأمين ``مواطنون`` تدخل دهاليز العمل الدولي الإنساني في السودان
أبرز تداعيات الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، هي الكارثة الإنسانية التي تواجه المدنيين في السودان. وهو الأمر الذي استدعى أن يتعالى صوت المجتمع الدولي والمنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني من أجل إرغام طرفي الحرب بحماية المدنيين وتسهيل دخول ووصول الإعاثة إلى المتضررين والمحتاجين في أنحاء السودان وأقاليمه المختلفة.
إلتقت "مواطنون" بالخبير السوداني في مجال عمل المنظمات الدولية والعمل الإنساني الدولي، الدكتور صلاح الأمين، للوقوف على طبيعة العمل الإنساني الدولي في السودان وآلياته وكيفية إدارته. ود. صلاح الأمين، اسم معروف في مجال عمل المنظمات الدولية المهنية بالشأن الإنساني. والده الأمين أحمد من منطقة سنار ووالدته خديجة عبد الكريم من المجلد. تخرج من جامعة الزقازيق في جمهورية مصر العربية وحصل على شهادات متخصصة في العمل الإنساني نت الجامعة الأمريكية بالقاهرة وجامعة هارفرد الأمريكية كما حصل على شهادة في اللغة الفرنسية من معهد بمدينة نيس الفرنسية. عاىجتنب ذلك شارك في العشرات من ورش العمل المتخصصة في مجال العمل الإنساني.
بدأت علاقته بالعمل الإنساني عندما التحق بلجنة الإنقاذ الدولية بدولة إرتريا والمناطق الحدودية بين ارتريا والسودان خلال الحرب بشرق السودان، ومنظمة الانقاذ الدولية أو ال IRC هي منظمة أمريكية عريقة أسسها العالم ألبرت آينشتاين سنة 1933 وتعمل في مناطق الحروب حول العالم. بعدها عمل لفترة بسيطة كمستشار في الهيئة القطرية للأعمال الخيرية بالدوحة. وكانت المحطة المهمة في مسيرته بعد التحاقه بالعمل في اللجنة الدولية للصليب الأحمر بجنيف. والصليب الاحمر هي أعرق وأقدم منظمة دولية في العالم، وهي مفوضة لتفعيل القانون الدولي الإنساني الذي يعمل في مناطق الحروب لحماية المدنيين والمرافق المدنية. عمل في قسم المساعدات في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في المناطق الأكثر التهاباً في العالم حيث عمل في سريلانكا، كشمير، أفغانستان، اليمن، العراق، مالي، نيجيريا، كينيا والصومال. إضافة إلى ذلك عمل لفترة قليلة جدا كإستشاري في بعض المنظمات مثل كونسيرن الدولية والعون الإسلامي. والآن بعمل كإستشاري مستقل في العمل الإنساني.
من خلال تجربتك، لماذا يهتم المجتمع الدولي بمسألة الدعم الإنساني أثناء النزاعات والحروب، دون بذل مجهود كبير في نزع فتيل الأزمات ووقف إطلاق النار. أيهما يسبق الآخر؟
اهتمام المجتمع الدولي بتقديم المساعدات يأتي من إنه دائما ما يواجه وقف إطلاق النار تعنت الأطراف في الالتزام به. إضافة لأن الطرفين لديهما اعتقاد بأنه يمكنهم كسب المعركة عسكرياً. بالتالي دائماً تكون مفاوضات وقف إطلاق النار صعبة جداً ومعقدة، بينما المفاوضات من أجل توصيل المساعدات الإنسانية أقل تعقيداً، إضافة لذلك فإن الطرفين يودان الظهور أمام العالم بأنهما يحترمان القانون الدولي الإنساني. وكذلك المجتمع الدولي دائماً يهتم بالوصول إلى المدنيين في حالة الحرب باعتبار أن المدنيين ليسو طرفاً في الحرب اصلاً، وهي مسألة تاريخية منذ أن أطلق هنري دونان، مؤسس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مبادرته في حماية المدنيين والذين القوا السلاح من العسكريين.
هل يمكن تقديم مساعدات إنسانية بفعالية للمتضررين من الحرب في السودان في ظل استمرار العمليات العسكرية؟
نعم يمكن تقديم المساعدات والحماية للمدنيين أثناء الحرب في السودان، والقانون الدولي الإنساني يعطي هذا الحق. وتاريخياً تم توصيل الدعم والمساعدات والحماية للسودانيين اثناء الحرب في جنوب السودان (عملية شريان الحياة 1989-2005)، وكذلك خلال اتفاق جبل النوبة في سويسرا وأيضا اثناء حرب دارفور، وعالمياً الآن يتم توصيل المساعدات للمدنيين في غزة ولبنان.
تحدثت مرة عن عملية شريان حياة جديدة، شبيهة بتجربة حرب الجنوب، هل الواقع الآن يسمح بعملية مماثلة؟
حول دعوتي لإنشاء عملية شريان أخرى أشبه بتلك التي كانت قبل 35 سنة خلال الحرب في جنوب السودان، نعم لا زلت أدعو لذلك مع الأخذ في الاعتبار التغيرات التي حدثت والاختلاف بين الحربين. ففي حرب الجنوب كان هناك طرفان هما حكومة المركز والجيش الشعبي لتحرير السودان، وأدارت الأمم المتحدة، من خلال منظمة اليونسيف كطرف محايد، ونفذت مع أكثر من 31 منظمة إنسانية دولية العملية من خلال تنسيق جيد وفتح ما يعرف بالممرات الإنسانية الهادئة. أما الآن وفي حرب 15 أبريل والتي شملت كل السودان تقريبا، هناك أكثر من طرف على الأرض ولكل طرف عدة حلفاء وأطراف تحارب إلى جانبه، اضافة لوجود معابر بين أطراف القتال يجب أن تعبر بها المساعدات. وهناك عدة معابر دولية بين السودان ودول الحوار مقارنة بمعبر واحد وهو معبر لوكيشكيو في شمال كينيا في الحرب الاولى.
لكن في رأي إذا درست العملية وخططت بشكل جيد وتم التنسيق بين كل الأطراف بإدارة جيدة، يمكن أن يكون لدينا عملية شريان حياة أخرى جيدة، خاصة أنه في داخل السودان وفي مناطق القتال هناك مبادرات من سودانيات وسودانيين موجودة على الأرض تعمل بكفاءة مثل "التكايا" المطابخ، غرف الطوارئ، المطابخ المركزية، إضافة للتحويلات من خلال الموبايلات. وهناك أيضاً سودانيات وسودانيون من الجنوب والشمال عملوا في شريان الحياة الأولى يمكن الاستفادة من خبراتهم في شريان الحياة التانية.
ظهر إلى السطح حديث عن ضرورة وجود أو ايجاد مناطق آمنة للمدنيين، كيف تتصور أن يتم ذلك؟ وما هي الضمانات أن تظل آمنة، قبل التوصل إلى تفاهمات حول وقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة.؟
بخصوص مقترح المناطق الآمنة، أرى أن المقترح يحتاج لمزيد من الدراسة في ورش عمل يشارك فيها خبيرات وخبراء في القانون الدولي الإنساني والعمل الإنساني (سودانيون وأجانب)، لأن هناك بعض التجارب في العالم لم تنجح بل تم مهاجمة بعضها من أطراف النزاع دون الإلتزام بالاتفاق. إضافة لذلك الكثير من المنظمات الدولية أصبحت تتخوف ولا تحبذ إنشاء وإدارة المعسكرات، حيث أن ذلك قد يؤدي إلى تكوين مجتمعات جديدة وبالتالي لا يعود الناس لمجتمعاتهم الأصلية مما يحول المنتجين لمتلقيي اغاثات.
ما هي الآليات المتبعة لدى المنظمات الدولية لتقديم المساعدات الإنسانية في مثل ظروف السودان الراهنة؟
هناك عدة آليات متبعة لتقديم المساعدات في ظل حرب السودان أهمها أن المنظمات تبني شراكات مع المجتمعات المحلية الموجودين داخل مناطق الحرب، وتبتدر شكل من أشكال التواصل مع تلك المجتمعات من خلال تحويل الأموال لهم من خلال التلفونات المحمولة. وتقوم تلك المجتمعات من خلال أجسام متفق عليها بشراء مواد الغذاء والمياه. أو يتم توصيل المساعدات من خلال الإنزال الجوي وبعض المنظمات تقوم بالتنسيق المؤقت والمحدود مع أحد طرفي القتال أو كليهما مما يسمح بوصول محدد لمناطق محدودة وإيصال المساعدات.
المجتمع الدولي والمنظمات تتهم أطراف الحرب في السودان بعرقلة تقديم المساعدات، ودائما ما تطلق تصريحات مثل هذه، ما مدى صدقية هذه التصريحات ؟
نعم المنظمات الدولية تتهم طرفي القتال بإعاقة توصيل المساعدات وهذا بالفعل ما يحدث، لأن أطراف القتال تقوم بتسيس العمل الإنساني وتحوله أحيانا إلى ملف أمني. وأيضا أطراف القتال الآن حولوا الإغاثةإلى لملف عرقي أو إثني، بمعني الإغاثة لحواضننا فقط. اضافة إلى أن آفة العمل الإنساني هو الفساد في التوزيع والاستيلاء على المساعدات بهدف بيعها كسلعة في الأسواق، إضافة لاختطاف العاملين في المنظمات الدولية.
هل تسعى المنظمات الدولية لجذب الداعمين والممولين لتغطية مشروعاتها، وهل الأزمات تمثل مصدر رزق ووجود واستمرارية لهذه المنظمات، أم هي فعلاً تقوم بأدوار حقيقية أثناء الأزمات والحروب؟
نعم؛ المنظمات الدولية تسعى لجذب التمويل لدعم العمل الإنساني، وهو نشاط إنسانوي لا يخلو من الغرض هنا وهناك. وهناك مصالح أيضاً متبادلة في العمل الإنساني، لكني أقول إنه إذا اختلط العمل الإنساني بالسياسة والدين والعرق والطموح الشخصي السلبي فأنه لن يكون عمل إنساني.