خبير جيولوجي: خزان جبل أولياء ليس مصمماً لامتصاص ضربات المدفعية والطيران
مواطنون
أطلق تقرير نشره معهد "آي إتش إي ديلفت" الهولندي للتعليم المائي بالشراكة مع برنامج المياه والتنمية التابع للأمم المتحدة، أطلق ناقوس الخطر من تعرض سد جبل اولياء للانهيار بسبب المعارك الدائرة في السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والتي ألحقت أضراراً بالسد.
وأشار التقرير إلى مغادرة عمال الصيانة واضطرارهم إلى الفرار من المنطقة في حين ظلت بوابات الفيضانات في وضع ثابت مما يشكل خطراً على بنية السد، ويهدد حياة الملايين من الناس وسبل كسب عيشهم من الذين يعتمدون عليه في صيد الأسماك والزراعة والطاقة ومياه الشرب.
ودرس باحثو المعهد الهولندي التأثير المحتمل للصراع المسلح المستمر على العمليات الفنية للسد ومخاطر الفيضانات التي ينطوي عليها، وأشاروا إلى أن البنية التحتية للمياه غالباً ما تكون مستهدفة في الحرب.
القواعد العسكرية بالمنطقة
تعتبر منطقة جبل أولياء من المناطق الاستراتيجية في الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لأنها تقع في منطقة حاكمة جنوب العاصمة الخرطوم، ويربط الجسر الذي يمتد عبر لسد جيل أولياء بين شرق وغرب النيل الأبيض مما يجعله أحد المنافذ المهمة في التكتيكات الحربية.
وتوجد بجبل أولياء إحدى الحاميات العسكرية التاريخية للجيش السوداني بالخرطوم، إلى جانب قاعدة النجومي الجوية التي تعد من الوحدات القتالية المتطورة بالجيش السوداني. أنشئت القاعدة في 1976 قبل نقلها إلى قاعدة الخرطوم الجوية في 1991، لتعود مرة أخرة إلى جبل أولياء عقب الزيادة الكبيرة في سرب الطائرات العمودية لسلاح الجو السوداني.
في المقابل كان لقوات الدعم السريع، قبل إندلاع الحرب، وجوداً مميزاً في جنوب الخرطوم، إذ منحت قواته معسكراً في "طيبة الحسناب" التابعة لجبل أولياء بجنوب الخرطوم. وهو يعتبر من أكبر المعسكرات لما يحتويه من أسلحة متنوعة ورغم أنه يقع في أرض مكشوفة إلا أنه يعتبر من المواقع الحصينة للدعم السريع جنوبي الخرطوم.
أهم المعارك
في مطلع أغسطس 2023، أي بعد اندلاع الحرب بنجو 4 أشهر، دارت اشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منطقة جبل أولياء العسكرية. وقال الناطق باسم الجيش إن قواته اشتبكت مع قوات الدعم السريع في منطقة جبل أولياء، وكبدتها خسائر كبيرة، واتهمها بتكثيف هجماتها ضد المناطق المدنية بمدافع الهاون، وإلحاق أضرار بالمواطنين.
في مطلع نوفمبر 2023 أعلنت قوات الدعن السريع سيطرتها على حامية جبل أولياء وقاعدة النجومي الجوية، ولكن صدر نفي من الجيش السوداني وقال إنها لا تزال تحت سيطرته. وفي 18 نوفمبر من نفس العام تبادل الجيش وقوات الدعم السريع اتهامات بتدمير جسر خزان جبل أولياء.
في مطلع يوليو من هذا العام قصف الطيران الحربي تجمعات لقوات الدعم السريع في منطقة جبل أولياء جنوب الخرطوم، ما أدى إلى مقتل عدد من الجنود.
إنشاء السد والمخاطر الفنية
بدأ العمل في تشييد خزان جبل أولياء في خواتيم العام 1933 واكتمل في 1937. وتم اختيار منطقة جبل أولياء لقيام السد فيها بسبب اتساع مجرى النيل الأبيض فيها حيث يمكن بناء سد ذي فتحات كافية لأن يمر عبرها مياه تصريف النهر كله، فضلاً عن وجود أرض صخرية تشكل أساساً متيناً لكي يقوم فوقه جسم السد.
يقول الخبير الجيولوجي، مهندس عماد محمد على، إن سد جبل أولياء أنشيء قبل قرابة 100 عام، وخلال هذه المدة حدث تطور كبير في عمليات إنشاء السدود بكل أنواعها سواء تخزينية او حواجز حماية أو لتوليد الطاقة الكهرومائية.
وقال علي لـ"مواطنون" إن إنشاء السد لم يستصحب بالتأكيد كل هذه التطورات في التصاميم واختيار المواقع الآمنة جيوتقنياً. وأشار إلى أن السد أقيم في أرض منبسطة وفي منطقة تسودها تراكيب جيولوجية وجيوتكتونية مستقرة إذ لم تسجل هزات أرضية إرتدادية عنيفة قبل وبعد الإنشاء.
واعتبر السعة التخزينية للسد، والتي تبلغ 3.5 مليار متر مكعب من المياه، كبيرة حيث تمتد بحيرة السد إلى مسافات طويلة أفقياً جنوب منطقة جبل أولياء.
وأضاف، في حديثة لـ"مواطنون" " انتفت جزئياً أغراض إنشاء السد، دون العمل على بناء قنوات ومخارج في حال زادت كميات المياه عن السعة التصميمية للسد، كما هو الحال في قناة توشكي المتفرعة من السد العالي، والاستفادة منها في التوسع في ري المزارع في غرب أمدرمان".
وأشار علي إلى الفاقد الكبير عن طريق التبخر من السد والذي يقدر بحوالي 2.5 مليار متر مكعب، إلى جانب غدم الاستفادة من السد في توليد الطاقة الكهربائية والمقدرة بحوالي 30 ميجاوات.
وقال الخبير الجيولوجي إن جسم السد مبني من الحجر الرملي الجيري، وحذر من حدوث تشققات عميقة في جسم السد حال حدوث هزات أرضية أو صناعية بقذائف المدفعية أو الطيران، مما يؤدي إلى تفكك لحام الصخور نتيجة لضغط المياه في البحيرة وبالتالي انهيار السد.
وأشار إلى أن جسم السد ليس مصمماً لامتصاص ضربات المدفعية والطيران، وقال إن الهزات الإرتدادية للقصف تمثل خطراً كبيراً وتقود إلى إلى إحداث تشققات بشكل تدريجي في المكون الصخري وبالتالي انهياره. كما أن توقف إدارة تشغيل وصيانة السد منذ اندلاع القتال زاد الأمر سوءاً.
وتوقع علي حدوث كارثة كبيرة للغاية حال انهيار السد، وقال إن كل المناطق شمال جبل أولياء معرضة للغرق بما فيها الجسور المقامة على نهر النيل وتشريد أكثر من 10 ملايين شخص يقطنون تلك المناطق.
الإشراف المصري على الخزان
تولّت الحكومة المصرية الإشراف الفني والإداري الكامل على السد من عام 1933 وحتى عام 1977 م، دون أي تدخّل من حكومة الحكم الثنائي أو الحكومات الوطنية بعد استقلال السودان في عام 1956، وظل الخزان يؤدي دوره كخط إمداد ثاني للمياه في مصر من عام 1937 وحتى عام 1971، عندما اكتمل العمل بالسد العالي حيث فقد دوره ذلك. دفعت مصر مبلغ 750.000 جنيه استرليني كتعويضات لسكان المنطقة السودانيين الذين اضطروا للنزوح وهجروا منازلهم بسبب إغراق أراضيهم الزراعية بمياه بحيرة السد.
وكان خزان جبل أولياء أول سد في العالم يتم تشييده في أراض دولة للمصلحة التامة لدولة أخرى، وهو أيضاً أول سد يُقام على نهر النيل الأبيض، ثاني أكبر رافد لنهر النيل.