
هذه المرة بسبب الكيماوي.. هل يعود السودان إلى طوق العزلة التامة من جديد؟
تقرير ـ مواطنون
مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية فرض عقوبات على السودان، تعود البلاد إلى مربع العزلة التي عاشتها لنحو عقدين في عهد حكم الانقاذ الذي ترأسه عمر البشير قبل أن تطيح به ثورة ديسمبر في 2019.
هذه المرة بسبب مختلف وأكثر حساسية فقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، أمس، أن واشنطن ستفرض عقوبات على السودان بعد ثبوت استخدام حكومته أسلحة كيماوية عام 2024 خلال صراع الجيش مع قوات الدعم السريع.
وقالت المتحدثة باسم الوزارة تامي بروس في بيان، إن العقوبات ستتضمن قيوداً على الصادرات الأميركية وخطوط الائتمان الحكومية الأميركية، وستدخل حيز التنفيذ في السادس من يونيو تقريباً بعد إخطار الكونغرس، وفق رويترز.
وأضافت بأن الولايات المتحدة قررت رسمياً في 24 أبريل بموجب قانون "مراقبة الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والقضاء على الحرب" لعام 1991 أن حكومة السودان استخدمت أسلحة كيماوية العام الماضي.
ردود فعل متباينة
ردود فعل مختلفة أثارها القرار الأمريكي الأخير، رغم أن العديد من القرارات بفرض عقوبات على اطراف الحرب ظلت تتوالى منذ اندلاعها، ولكنها طالت أفراداً وشركات لها صلة مباشرة بالمعارك الدائرة ميدانياً منذ أبريل 2023.
في مقال للضابط السابق في القوات المسلحة السودانية، نبيل يحي منصور، قال إن تقييم أثر العقوبات لا يمكن أن ينفصل عن نقاش أوسع حول أدوات الضغط الدولي، وضرورة صياغة سياسات أكثر اتساقاً مع حقوق الشعوب، لا مع موازين القوى.
وقال في مقاله إن العقوبات الأمريكية على السودان، لم تؤدِ هذه السياسات إلى إسقاط نظام، ولا إلى حماية حقوق الإنسان، ولا إلى إنقاذ المدنيين من ويلات الحرب أو الفقر أو الانتهاكات، رغم استمرارها لسنوات طويلة في السابق.
وأشار إلى أنها على العكس، ساهمت في ترسيخ العزلة، وإضعاف المؤسسات المدنية، وتشجيع اقتصاد الظل والفساد. ووصف السياسة الأمريكية بأنها ليست مستقرة أو مبدئية في تعاملها مع السودان، بل خاضعة لتحولات إقليمية وابتزازات سياسية كما في حالة التطبيع مع إسرائيل.
وقال " تكشف تجربة السودان مع العقوبات الأمريكية عن مسار طويل من التقلبات التي تعكس مزجا غير متوازن بين المبادئ الأخلاقية والمصالح الجيوسياسية. فبين شعار "مكافحة الإرهاب" وتعطيل فرص الديمقراطية، واصلت واشنطن التعامل مع السودان كدولة هامشية، تستدعيها أدوات الضغط لا الحلول".
تاريخ السودان مع العقوبات الأمريكية
كانت البداية الفعلية للعقوبات في عهد الرئيس بيل كلينتون، لكن الجذر السياسي بدأ في أغسطس 1993، حين أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب. تم فرض قيود دبلوماسية ومالية، وشكّلت هذه الخطوة التمهيد الأول لعزل السودان دوليًا.
في 3 نوفمبر 1997، وقّع الرئيس بيل كلينتون على الأمر التنفيذي 13067، الذي فرض عقوبات اقتصادية شاملة على السودان، بسبب دعم الإرهاب، انتهاكات حقوق الإنسان، وزعزعة الاستقرار الإقليمي، خاصة في جنوب السودان. وشملت تجميد الأصول السودانية في أمريكا، حظر كل أشكال التجارة والاستثمار، عزل مالي ومصرفي شامل.
في مايو 2006، أصدر الرئيس جورج بوش الابن الأمر التنفيذي 13400، بفرض عقوبات إضافية استهدفت أفرادًا ومؤسسات مرتبطة بالنظام، على خلفية النزاع في دارفور، والذي اعتبرته الولايات المتحدة "إبادة جماعية". وطالت العقوبات قادة في الجيش والشرطة وأجهزة الأمن، وفرضت قيودا جديدة على التحويلات المالية.
العودة إلى العالم قبل الانتكاسة
في العام 2020 رفعت الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية على السودان بشكل كلي، وبدأ النظام المصرفي يتعافى ببطء شديد لبقائه لما لايقل عن 25 عاما خارج النظام المصرفي العالمي ففي 3 يونيو 2021 أعلن بنك السودان المركزي عن اجتياز 27 مصرفًا تجاريًا لاختبارات نظام رقم الحساب المصرفي الدولي (IBAN)، مما يُمكّنها من التعامل عبره لاستقبال وإرسال الحوالات من وإلى خارج السودان.
وأشار البنك المركزي إلى أن الآيبان معد للاستخدام دون أي عوائق، وهو الأمر الذي أكدته الاختبارات مع منظمة سويفت وتأكيدها على إدراج السودان ضمن النشرة الشهرية لهم، بالإضافة إلى نشرات خاصة بالشركات المالية. كما أوضح البنك أن 11 مصرفًا فقط لم تستطيع إجتياز اختبارات الايبان.
وبحسب الكاتب الصحفي، عثمان فضل الله، في تدوينة على صفحته بالفيسبوك، فإن هذا التطور كان يُعد خطوة مهمة نحو إعادة دمج السودان في النظام المالي العالمي، حيث يُسهم في تسهيل التحويلات المالية الدولية وتعزيز الثقة في النظام المصرفي السوداني.
وعقب حدوث إنقلاب 25 أكتوبر 2021 تأثرت ثقة النظام العالمي في المصارف السودانية فرغم وجود اسم السودان في النشرة لمنظمة "سويفت" لكن العديد من البنوك احجمت عن التعامل مع المصارف السودانية.
وقال فضل الله "اليوم أعلنت وزارة الخارجية الامريكية وقف خطوط الائتمان مع السودان ابتداء من يونيو المقبل مما يعني تلقائيا عودة العزلة الكاملة على النظام المصرفي السودان فهناك علاقة وان كانت غير مباشرة بين خطوط الائتمان ونظام الايبان".
عقوبات قائمة على افتراءات
في مقارنة مع ما حدث بالنسبة للعراق في تسعينيات القرن الماضي، يرى الكاتب الصحفي، ضياء الدين بلال في ردة فعله على العقوبات الجديدة في تدوينة له على فيسبوك، إن حديث الولايات المتحدة عن استخدام الجيش السوداني لأسلحة كيميائية ضد الميليشيات هو فرية أخرى من الافتراءات الأمريكية ذات الدوافع السياسية.
وقال إنها محاولة مكشوفة لتقليل شأن الانتصارات الميدانية الساحقة التي حققها الجيش السوداني، ومنح غطاء زائف "للميليشيا" وداعميها للتستر على خسائرهم العسكرية والسياسية والدبلوماسية.
وتساءل في تدوينته "كيف لجيشٍ ظل لأكثر من عام يعاني من نقص الذخائر والأسلحة الأساسية، وتُحتجز سفنه المحمّلة بالمعدات في الموانئ، أن يمتلك القدرة على الحصول على أسلحة كيميائية باهظة التكاليف؟"
وقال إنها تذكره بأسلحة الدمار الشامل في العراق التي وصفها بالأكذوبة الفاضحة التي كانت من أبرز ذرائع الولايات المتحدة لتبرير غزو العراق عام 2003، والتي ثبت لاحقاً بطلانها. وقال إن الهدف كان إقناع المجتمع الدولي بوجود تهديد وشيك من العراق، لتبرير شن الحرب عليه رغم غياب أي دليل قاطع على امتلاكه أسلحة نووية أو كيميائية.
من جهته قطع الكاتب الصحفي، عثمان ميرغني، بأن الجيش السوداني لم يستخدم الا سلحة الكيميائية إطلاقا" وقال، بحسب صفحته في الفيسبوك إن المسألة كلها تقرير نشرته نيويورك تايمز في يناير الماضي نقلاً عن مصادر عسكرية أمريكية لم تسمها، "ذكرت أنه استخدمها في مناطق نائية من السودان دون أن تحدد المكان أو الزمان".
ونسب ميرغني الخطوة الأمريكية الأخيرة إلى عدم مشاركة السودان في مفاوضات سويسرا.
آثار العقوبات
يرى الضابط السابق، نبيل منصور أن العقوبات الأمريكية السابقة على السودان أثرت على المدنيين، حتى وإن لم تكن موجهة إليهم مباشرة. وقال إنها أسهمت في إضعاف البنية الاقتصادية، وشلّ النظام المصرفي، وتقليص فرص الاستثمار، ما انعكس سلبًا على الحياة اليومية، وفاقم التدهور في قطاعات حيوية كالصحة والتعليم، وعقّد طريق التحول الديمقراطي ذاته الذي جاءت العقوبات باسمه.
وأضاف في مقاله، بان ذلك "أسهم في تعزيز نماذج سلطوية وغير ديمقراطية للحكم، حيث لا تهتم هذه الدول كثيرا بمسائل حقوق الإنسان أو الديمقراطية، بقدر ما تركز على المصالح الاقتصادية والعسكرية. وأنتجت شعوراً جماعياً بالخذلان والتهميش، خصوصاً لدى الشباب السوداني، كما تسرب الإحباط إلى الطبقة الوسطى، ما أضعف مناعة المجتمع تجاه الأزمات.
فيما قال عثمان فضل الله إن العقوبات ليست مجرد خطوة رمزية أو تحصيل حاصل، فهي تؤثر في الصورة السيادية، ومخاطر الدولة، وثقة النظام المالي الدولي في السودان، وبالتالي تصبح عملية إعادة الأعمار شبه مستحيلة في ظل هذه العقوبات .
وأضاف بأن العقوبات الأمريكية تُصعّب على السودان التفاوض مع البنك الدولي، صندوق النقد، وبنك التصدير والاستيراد الأمريكي، أو حتى الحصول على ضمانات سيادية. وأشار إلى أن الشركات غير الأمريكية ستتجنب السودان خوفًا من تعقيدات الامتثال للعقوبات الأمريكية، خاصة في مجالات مثل الطاقة، البنية التحتية، والاتصالات.
من جهته قال عثمان ميرغني إن العقوبات المعلنة تجمد أي تواصل مع البنوك العالمية تماماً، بما في ذلك تعاملات القطاع الخاص.