
ملف السودان يصعد إلى قمة أجندة واشنطن
مركز مواطنون لصحافة ثقافة السلام
تعليق على بيان الخارجية الامريكية بشأن السودان، الصادر الثلاثاء 3 يونيو 2025
(1) ترفيع الاهتمام بملف السودان
الاجتماع برئاسة نائب وزير الخارجية (وهو منصب رفيع جداً، ثاني أعلى منصب في وزارة الخارجية) وبحضور مستشار أول للرئيس (في الإدارة الأمريكية، مستشار الرئيس يعني اتصالاً مباشراً بالبيت الأبيض)، فهذا يعني بالفعل قفزة نوعية وكبيرة في مستوى الاهتمام الأمريكي بملف السودان.
مقارنة بإدارة بايدن فأن الملف كان بيد الإدارة الإفريقية (مكتب الشؤون الإفريقية بالخارجية)، وتم لاحقاً ترفيعه قليلا بتعيين مبعوث خاص (مثل السفير مايك هامر ثم توم بيرييلو)، لكن المبعوث الخاص، رغم أهميته، لا يتمتع بنفس الثقل الدبلوماسي أو القرب من صنع القرار في البيت الأبيض مقارنة بنائب وزير الخارجية أو مستشار الرئيس.
هذا الترفيع قد يشير إلى ما يلي:
ـ إدراك متأخر لخطورة الوضع: قد يكون هناك إدراك متأخر في واشنطن بأن الصراع في السودان يخرج عن السيطرة بشكل خطير، ويهدد الاستقرار الإقليمي بشكل أكبر مما كان يُعتقد، أو يتسبب في كارثة إنسانية لا يمكن تجاهلها.
ـ فشل المقاربات السابقة: الاعتراف بأن الجهود الدبلوماسية السابقة (مثل محادثات جدة تحت مستوى متوسط أو جهود المبعوث الخاص) لم تحقق النتائج المرجوة، وأن الأمر يتطلب دفعاً دبلوماسياً أعلى وأكثر قوة.
ـ تغيير في الأولويات: ربما هناك تحول في الأولويات الاستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة، أو أن السودان أصبح جزءاً لا يتجزأ من حسابات أمنية أوسع.
(2) إعادة إحياء "مجموعة الرباعية":
حضور سفراء السعودية، الإمارات، ومصر يشير بوضوح إلى محاولة إحياء صيغة "الرباعية" أو "الترويكا +" (مع الولايات المتحدة). هذه المجموعة كانت نشطة قبل الحرب في دعم الانتقال المدني في السودان.
ماذا يعني ذلك؟
الاعتراف بالنفوذ الإقليمي: تدرك واشنطن أن هذه الدول الإقليمية (السعودية، الإمارات، مصر) لديها نفوذ كبير وعلاقات معقدة مع أطراف النزاع في السودان (كل بطريقته). وجمعهم على طاولة واحدة يعني محاولة تنسيق جهودهم واستغلال نفوذهم بشكل موحد وموجه نحو حل الأزمة.
تقاسم الأعباء والمسؤوليات: الولايات المتحدة تسعى لتقاسم عبء إيجاد حل مع هذه القوى الإقليمية، التي لديها مصالح مباشرة في استقرار السودان.
البحث عن مقاربة أكثر فعالية: بعد تجربة محادثات جدة التي لم تكن ناجحة بالقدر الكافي، قد ترى واشنطن أن إشراك الدول الإقليمية الأكثر تأثيراً بشكل مباشر وعلى مستوى عالٍ هو المفتاح لتطبيق أي اتفاق أو ممارسة ضغط فعال.
ماذا يمكن أن يعني هذا التحرك المفاجئ؟ هذا التحرك يمكن أن يعني عدة أمور:
تصاعد خطير في الوضع الإنساني والأمني: وقد تكون هناك معلومات استخباراتية أو تقارير إنسانية تشير إلى تدهور كارثي وشيك، مما دفع الإدارة الأمريكية لضرورة التحرك بقوة.
الخوف من امتداد الصراع: قد تكون هناك مخاوف متزايدة من امتداد الصراع في السودان إلى دول الجوار، مما يهدد استقرار منطقة حيوية.
تغير في الموقف السياسي لأحد الأطراف: ربما حصلت الولايات المتحدة على مؤشرات من أحد أطراف الصراع (الجيش أو الدعم السريع) تفيد باستعداده لمقاربة جديدة أو مرونة معينة في المفاوضات، مما دفعها لتكثيف الجهود.
تغيير في استراتيجية التعامل مع الأزمة: بعد مرور فترة طويلة على بدء الحرب، وربما بعد تقييم لعدم كفاية المقاربات السابقة، يبدو أن هناك تحولاً في استراتيجية واشنطن لتبني مقاربة أكثر علواً وتنسيقاً. وربما بطريقة أكثر براغماتية وأقل تركيزاً على حقوق الإنسان والديمقراطية مقارنة بإدارة بايدن (وهو نمط سياستها السابقة).
بشكل عام، أي تحرك بهذا المستوى من واشنطن هو إشارة توحي بان الولايات المتحدة قد قررت منح ملف السودان أولوية أعلى من ذي قبل، وأنها تسعى لتفعيل قنوات ضغط وحوار جديدة وربما أكثر قوة من خلال الشركاء الإقليميين.