
مواطنون تسأل والذكاء الصناعي يجيب.. الحالة الإيرانية
مواطنون
السؤال: هل توجد قوى سياسية حقيقية معارضة في ايران؟ واذا سقط النظام الديني الحالي فهل تستطيع هذه القوى ملء الفراغ؟
الإجابة: هذا أحد أكثر الأسئلة تعقيدًا وإثارة للجدل، ويتباين فيها الرأي بين المحللين.
نعم، توجد قوى سياسية معارضة، ولكنها موزعة ومنقسمة وتعمل في ظروف شديدة الصعوبة، سواء في الداخل أو الخارج.
المعارضة الداخلية هي الأكثر تأثيراً محتملاً لأنها قريبة من الشعب، لكنها تواجه قمعاً شديداً من قبل النظام، وتتكون من عدة مكونات هي:
الإصلاحيون: هم تيار ضمن النظام أو قريب منه، يسعون لإصلاحات داخلية بطيئة وتدريجية، ولا يدعون لإسقاط النظام. قادتهم مثل مير حسين موسوي تعرضوا للإقامة الجبرية. تأثيرهم تضاءل كثيراً بسبب قمع النظام وعدم تحقيق إصلاحات جوهرية.
الحركات الاحتجاجية الشعبية: تظهر هذه الحركات بشكل متقطع (مثل احتجاجات 2009، 2017-2018، 2019، وحركة "المرأة، الحياة، الحرية" في 2022). ليس لها قيادة موحدة ومنظمة، بل هي ردود فعل عفوية على الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتعتمد على السوشيال ميديا للتنسيق. هذه الحركات تظهر مدى السخط الشعبي، لكن غياب القيادة المنظمة يجعل استمرارها أو تحولها إلى قوة سياسية أمراً صعباً.
الناشطون المدنيون والطلاب والمدافعون عن حقوق الإنسان: يعملون في بيئة قمعية للغاية ويواجهون الاعتقال والسجن، لكنهم يمثلون صوت المعارضة السلمية داخل البلاد.
من جهة أخرى توجد المعارضة الخارجية. وبحكم تواجدها في الخارج فإنها تتمتع بحرية أكبر في العمل، لكنها تعاني من الانقسام، والبعد عن الواقع الداخلي، وتفتقر إلى قاعدة شعبية حقيقية في إيران.
أبرز هذه الجماعات هي منظمة مجاهدي خلق الإيرانية (MEK/PMOI). فهي واحدة من أكبر وأقدم الفصائل المعارضة، ولديها شبكة دولية قوية وتمويل من بعض الجهات. لكنها تعتبر جماعة مثيرة للجدل، واتُهمت سابقاً بامتلاك طبيعة "طائفية" أو "عبادة شخصية" حول قيادتها (مريم رجوي)، كما أنها فقدت الكثير من شعبيتها داخل إيران بسبب تاريخها وأعمالها العنيفة في الماضي، وتعاونها مع نظام صدام حسين خلال الحرب الإيرانية العراقية. أيديولوجياً بدأت كمنظمة إسلامية اشتراكية، ثم تطورت نحو أهداف ديمقراطية علمانية. تسعى لإسقاط النظام الحالي.
هناك أيضا الأمير رضا بهلوي (ابن الشاه الراحل) الذي يحظى ببعض الدعم من الإيرانيين في الخارج ومن جزء من الشباب الإيراني الذي يرى في العودة إلى نظام ما قبل الثورة نوعاً من الاستقرار، لكن تأثيره داخل إيران محدود. يدعو إلى نظام ديمقراطي علماني، يفضل ملكية دستورية غير تنفيذية.
توجد كذلك جماعات عرقية مثل الأحزاب الكردية (كومله والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني PDKI/KDP-I)، والبلوشية، والعربية (في الأهواز). وتسعى هذه الجمعات بشكل عام إلى الحكم الذاتي أو حتى الانفصال، والمطالبة بحقوق الأقليات العرقية. بعضها يملك جناحاً مسلحاً وينفذ عمليات محدودة ضد النظام. تأثيرها محدود جغرافياً (مناطق الأقليات) وينظر إليها العديد من الإيرانيين الفرس على أنها تهديدا وخطرا لوحدة الأراضي الإيرانية.
إضافة إلى ذلك توجد جماعات نخبوية واسعة ومتنوعة من الأفراد والمنظمات، من اليساريين والليبراليين والعلمانيين اغلبيتهم من المثقفين والنشطاء. وتتراوح أيديولوجيتهم من الاشتراكية إلى الليبرالية، وتطالب بالديمقراطية وحقوق الإنسان وفصل الدين عن الدولة. غير أنها تفتقر إلى التنسيق الفعال والقيادة الموحدة، وتأثيرها يظل غالباً في الدوائر الفكرية أو على منصات التواصل الاجتماعي.
هل تستطيع هذه القوى ملء الفراغ إذا سقط النظام؟
هنا تكمن المعضلة الكبرى وسبب قلق الغرب بشأن سقوط النظام الإيراني. لذلك فإن الإجماع العام بين المحللين هو أن المعارضة الإيرانية الحالية، بجميع فصائلها، تفتقر إلى الوحدة، والتنظيم، والقبول الشعبي الكافي لملء الفراغ بشكل فعال ومنع الفوضى في حال انهيار النظام فجأة.
وأبرز ما تعانيه المعارضة الإيرانية هو الانقسام وضعف التنسيق. فالمجموعات المعارضة منقسمة بشدة على أسس أيديولوجية، شخصية، ومصلحية. نادراً ما تتعاون فيما بينها، بل تتنافس وتنتقد بعضها البعض.
كما تعاني من غياب القيادة الموحدة. إذ لا يوجد قائد أو مجلس معارضة موحد يحظى بثقة جميع أو أغلب أو أوسع عدد من الأطراف المعارضة والشعب الإيراني.
وتعاني كذلك من الشكوك الشعبية إذ أن جزءا من الشعب الإيراني قد يكون غير واثق في قدرة هذه المعارضة على الحكم، والبعض يتخوف من العودة إلى أنظمة سابقة (مثل حكم الشاه) أو من الفوضى.
لقد نجح النظام الإيراني في قمع المعارضة الداخلية وتفتيت صفوفها، كما نجح في تشويه صورة بعض جماعات المعارضة الخارجية. وما يفاقم من أزمة المعارضة غياب رؤية واضحة للمستقبل. فعلى الرغم من أن معظم القوى المعارضة تدعو إلى الديمقراطية والعلمانية، إلا أن تفاصيل "ما بعد النظام" تظل غامضة وغير متفق عليها بينها.
لهذا وبناء على هذا الوضع فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً، في حال سقوط النظام فجأة، هو دخول البلاد في حال من الفوضى وعدم الاستقرار، وربما صراعات داخلية على السلطة. هذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل دولاً مثل الولايات المتحدة وأوروبا تفضل "تعديل سلوك النظام" بدلاً من "إسقاطه"، خوفاً من تداعيات غير محمودة على المنطقة والعالم.