
وزارة الداخلية، تحدّيات الحرب والسلام
خالد ماسا
من بين 22 وزارة تم ذكرها في خطاب السيّد رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس، والتي -وعلى ما يبدو- ستُعلن بطريقة "التجزئة" بعد أن استعصى إعلانها دفعة واحدة، تم الإعلان عن تعيين الفريق حسن داؤود كبرون وزيراً للدفاع، والفريق شرطة بابكر سمرة مصطفى وزيراً للداخلية.
ومع الإعلان، تعدّدت التفاسير لابتدار التشكيل الوزاري بهاتين الوزارتين، ذهب غالبيتها ـ وهو التفسير الأكثر وجاهة ـ إلى أنّ الأمن هو أولوية تمّ ذكرها في خطاب حكومة الأمل، بسبب أنّ الحرب لم يسكت رصاصها بعدُ في السودان، وبالتالي لم يكن الانتظار ممكناً لإنهاء فاصل التجاذبات والمنازعات حول حصص الحقائب الوزارية ومعادلة توزيعها بما يُرضي الجهات التي ترى أنّ لها الحق في القسمة الوزارية.
والآخرون مضوا إلى تفسيرٍ أنّ الحقيبتين هنالك تسليمٌ بأنّهما مناطق مقفولة وحصرية على اختيارات المكوّن العسكري، وأنّهما بعيدتان عن متناول يد المحاصصات، ولذلك مرّ إعلانهما سلساً دون أيّ اعتراضات.
الشرطة في زمن الحرب
الشرطة، كمؤسسة من مؤسسات الدولة التي كانت قائمة بمنسوبيها ومقارّها وعتادها، طالتها يد الحرب، ففقدت أفرادها، وفقدت التواصل معهم، وفقدت مقارّها، والجهات التي تقع تحت مسؤوليتها، وفقدت السيطرة على تسليحها، وتعاظمت المخاوف، ولا زالت، حول مدى تأمين قاعدة البيانات التي تقع تحت إشرافها ومسؤوليتها في السجل المدني والجنسية والجوازات والسجون.
جاءت الحرب وهناك أعباء مُرحّلة من زمن ما قبل الحرب تُثقل كاهل الوزارة وجهاز الشرطة، وشهد الفضاء العام مناقشات وأخباراً لم يكن متاحاً تداولها بشكل علني في وقتٍ من الأوقات، حول ظاهرة "تسرّب" الأفراد والضبّاط من السلك الشرطي، لأسباب متفاوتة، في مقدّمتها ضعف الهيكل الراتبي للشرطة، وبالتالي لم تعد هي المؤسسة الجاذبة للتجنيد والتوظيف، وانعكس ذلك بوضوح في قدرتها على لجم انتشار الجريمة والانفلات الأمني.
هذا بالإضافة للصورة الذهنية لدى المواطن عن هذه القوات، خاصة في أيام الثورة والتغيير، وتصنيفها في الشارع الثائر بأنها يد السلطة التي تبطش وتحمي النظام، ولتأتي "ريمونتادا" هذه القوات ما بعد انقلاب ٢٥ أكتوبر لتقطع ما تبقّى من حبال الوصال مع الشارع. تلك هي الأعباء الثقال على أكتاف مؤسسة من المفترض أنّها في خدمة الشعب.
في الثالث من مايو المنصرم، وعندما أطلق نائب القائد العام للقوات المسلحة وعضو المجلس السيادي شمس الدين كباشي الهواء الساخن في لقائه مع ولاة الولايات، وقال: "إنّ المسلحين مكانهم مناطق القتال، وإنّ المناطق التي استعادتها القوات المسلحة تُركت مسؤولية إدارتها لقوات الشرطة"، احتفى البعض بأنّ تصويب سهام هذه التصريحات يضرب في (تختة) من استغلّوا أجواء الاستنفار والتجييش، فنصبوا الارتكازات والتفتيشات والكمائن داخل المدن والأحياء، وأظهروا بأنّهم قوات قائمة بذاتها، وأمر تسليحهم وعلاج مصابيهم على النفقة الخاصة، بينما لم تتحسس الشرطة مسدّسها، باعتبار أنّ التصريح يمضي باتجاه أنها لم تضطلع بمسؤولياتها في المناطق المشار إليها، وأنّ البريد المقصود بهذه الرسالة هو بريد وزارة الداخلية.
الشرطة تُطارد الأخبار
بنهَمة غير خافية على أحد، تناقل الوسط المتفاعل إلكترونيًا في أسبوعٍ واحد حزمة أخبار، كلّها ذات صلة بالعمل الشرطي. وقبل أن نمضي في التعامل معها، دعونا نقرأ الطريقة وردود الأفعال التي صدرت من متلقّي حزمة الأخبار هذه، وكأنها كانت تنتظر، وبأحرّ من الجمر، لتفرغ حمولاتٍ سالبة تجاه الشرطة والداخلية، بعضها بالتأكيد مُسبّب، والبعض الآخر تجب قراءته بعين التحليل الموضوعي لعلاقة المواطن بالشرطة.
ومن غير المنطقي أن نردّ الكُل فيها للتصرفات الفردية التي تتحمّل وزرها المؤسسة، فهنالك "مراجعات" واجبة في دفتر أحوال الداخلية والشرطة، كدرس من دروس هذه الحرب.
أُضطرت رئاسة قوات السجون، على لسان اللواء الطيب أحمد عمر، مدير السجن القومي (كوبر)، إلى نفي خبر دعوة النزلاء الهاربين من السجن للعودة، والقول بأنّ ما تمّ تداوله عارٍ من الصحة.
بالظروف التي فرضتها الحرب والتي ذكرناها آنفاً، لا نعتقد بأنّ باب التقصير هنا في عدم إلقاء القبض على الهاربين من السجون وإعادتهم لإكمال محكومياتهم، وإنّما في الفراغ الذي يتركه غياب الرسالة الإعلامية لوزارة ومؤسسة بهذه الإمكانيات وهذه المسؤوليات. والمواطن الذي يتلقّى هذه الأخبار المضلّلة هو شريكٌ أصيلٌ للداخلية في مهامها، ويقع عليه وعليها الضرر من كمية المجرمين خارج أسوار السجون.
ولم تكن المشكلة في نسبة المتعاطين للمخدرات في ولاية القضارف، والتي سارع مدير الشرطة فيها إلى نفيها، لأنّ ذلك لم يُزل المخاوف من انتشار المخدرات الكبير في الولاية، وهذه واحدة من أعباء الحرب المستمرة، وعلاجها يحتاج لأكبر من مطاردة الأخبار.
رصاص طائش
كلّ هذا ينتظر وزارة الداخلية، والحرب لم تنتهِ بعد، وأرقام المدنيين الذين قضوا برصاص الحرب تشرح إلى أيّ مدى دفع المواطن ثمن الحرب. ولا يبقى مفهوماً أن يستمرّ الرصاص الطائش في المناسبات الاجتماعية في حصاد الأرواح، وأن تكتفي الدولة باجتهادات كلّ ولاية على حدة في منع استخدام السلاح والتلويح بغرامات مالية وعقوباتٍ لن يرمش لها جفن من يُطلقون الرصاص، استخفافاً بأرواح المواطنين، ونكايةً في أيّ تحذير تُصدره الدولة.
انتشار السلاح بسبب الحرب يبقى مفهوماً إلى حين القدرة على السيطرة عليه، ولكن غير المفهوم هو السكوت على عمليات التسليح بدون ضوابط رادعة.
إطلاق الرصاص واستخدام السلاح الناري في المناسبات الاجتماعية النسبة الأكبر منه بيد "نظاميين"، وهو الخبر غير القابل للنفي أو التكذيب، وإن أرادت الداخلية والشرطة حسمه، لفعلت.