03/07/2025

السودانيون: قهر الحرب وطواعية العودة

خالد ماسا

كثيراً ما كانت خطابات وبيانات الرسميين في الحكومة السودانية ما تحتشد بمخاطبة عاطفة السودانيين المتواجدين في دول اللجوء ومُدن النزوح باللحاق بقطار العودة الطوعية لقراهم ومدنهم وبيوتهم، وتسابقت معها الأيادي البيضاء في تسيير الرحلات المجانية تشجيعاً للمواطنين على هذه العودة الموصوفة بالطوعية إلى أن خرج توجيه حكومة ولاية الخرطوم في أبريل المنصرم قائلا بإنهاء الإجازة الممنوحة للعاملين، وأن عليهم جميعاً أن يزاولوا عملهم في مده أقصاها منتصف شهر يونيو 2025م. واحتاجت حكومة الولاية لاستدراك سريع نشرته الوكالة الرسمية للدولة "سونا" بتاريخ 23 ابريل جاء على لسان الناطق الرسمي لحكومة الولاية قالت فيه بأن التقديرات متروكه لمديري الوحدات الحكومية لتقدير حالة الذين لم يوفقوا أوضاعهم حتى التاريخ المشار اليه في القرار.

من المعلوم بالضرورة بان الخروج من مدن الحرب كان قسرياً بعد أن استحالت الحياة فيها بانعدام الامن إبتداءاً واسباب الحياة في حدودها الدنيا من خدمات المياه والكهرباء وخروج القطاعين الصحي والتعليمي من الخدمة بشكل كلي فكان الخروج من جغرافيا الحرب للنجاة بالأرواح فقط الى مجهول إسمه النزوح أو اللجوء.

وبالقراءة في القرار أعلاه فاننا نقف أمام حاله سيتأثر بها الجزء الأكبر من النازحين واللاجئين السودانيين ( مواطني ولاية الخرطوم) باعتبارها الولاية صاحبة الحظ الاكبر من أجمالي السكان في السودان، وكذلك العاملين في الوزارات والوحدات الحكومية باعتبار تمركز الخدمات الحكومية في العاصمة الخرطوم. والقراءة هنا تقودنا الى خشية أن يكون هذا القرار من نسل ذات القرارات السياسية التي تخدم الخطاب السياسي أوان الحرب دون وضع الاعتبار للجوانب الانسانية التي أمّن عليها القانون الدولي عند تعريفة للنازحين الداخليين واللاجئين وأشار إليه تقرير المقررة الخاصة لحقوق الانسان للنازحين داخلياً، باولا غافيريا لمجلس حقوق الانسان في دورته 79 وجاء فيه "بموجب المبادئ التوجيهية المتعلقة بالنزوح الداخلي يقع الواجب والمسؤولية الأساسيان على عاتق السلطات المختصة لتهيئة الظروف وتوفير الوسائل التي تسمح للنازحين بالعودة طوعياً بامان وكرامة لاماكن إقامتهم".

يتلقى المواطنون السودانيون هذا القرار وفي أذهانهم نصائح وزير الصحة الاتحادي بعدم استعجال الاسر في العودة لولاية الخرطوم حتى انتهاء عمليات إزالة المخاطر والتعقيم وماحملته الاخبار عن التخريب الذي طال المعامل والمختبرات الصحية وخشية التلوث الإشعاعي وانتشار الجثث.

التحديات في ما نعتقد تواجه عودة الحكومة نفسها لولاية الخرطوم وعودة وحداتها وإداراتها وفقاً للتاريخ المضروب في القرار وحالة الخدمات الاساسية (كهرباء / مياه) لم تغادر مربعها الاول الذي تركته عليها قوات الدعم السريع من خراب ودمار متعمد، وأن وسط العاصمة الخرطوم الذي تتمركز فيه غالبية المقار الحكومية كان ميداناً لمعارك كبيرة أضرت بهذه المقار وجعلتها مبان غير قابلة للاستخدام في الوقت القريب.

هي ذات ولاية الخرطوم التي كانت تسيطر على أجزاء كبيرة منها قوات الدعم السريع ولم تُفكر في غير أنها مسرح قتالي، ولم تدار فيها عمليات مدنية تشغل الكهرباء والمياه والمستشفيات والاسواق ودور الصحة والتعليم، ودفعت فيها الحياة المدنية أول تكاليف الحرب، ولم تحرك ما أسمته القوات في نهاية نوفمبر 2024 بالادارة المدنية لولاية الخرطوم اي ساكن، دمرته الحرب وجعلت من الولاية بيئة طاردة للمواطنين وغير صالحة للحياة الآدميه وكان نسل قرارها بتشكيل إدارة مدنية لولاية الخرطوم من ذات النسل السياسي الذي لايخدم المواطنين بقدر ما انه يخدم رسائل سياسية في بريد لايخصهم في مدن النزوح أو اللجوء.

القرارات ذات العلاقة بالحالة السودانية في الحرب وتمس بشكل مباشر المواطنين الذين لم تنتهي معاناتهم بسبب الحرب بمجرد وصولهم لجغرافيا النزوح أو اللجوء ويعانون من حرب أخرى لاتقل ضراوة عن حالة مدنهم التي غادروها كُرهاً يجب ان تُصاغ بحساسية تدرك حق هؤلاء المواطنين في عودة طوعية حقيقية ليس فيها أي إكراه لارتباط بوظيفة أو خدمات تتولاها الدولة أو فقدان إمتيازات بسبب النزوح أو اللجوء.

قرار مثل الذي خرجت به حكومة ولاية الخرطوم لاينبغي أن يكون قراراً فوقياً يعزز فقط الرصيد السياسي لحكومة الولاية بل يجب أن يكون المواطن نفسه جزء أصيل من تقديراته كنازح أو لاجيء لأنه ببساطة صاحب المصلحة في خيار العودة الطوعية وشريك أصيل لمؤسسات الدولة في تقدير الظرف المناسب لعودة الحياة لطبيعتها.

الحرب بالاساس ظرف إستثنائي وولاية الخرطوم من دون الولايات الأخرى كان نصيبها من التخريب الممنهج النصيب الاكبر وبالتالي لايعيب حكومة ولاية الخرطوم إن أعطت هذا التخريب حجمة الحقيقي ورتبت جدول أولويات عودة الحياة في الولاية لأن ماتم فقدانه خلال سنتين من الحرب والدمار والتخريب لايمكن إستعادته دفعة واحدة في ظل إمكانيات محدودة وإقتصاد يتحمل كُلفة حرب لازالت مستمرة.

أمن المواطنين يقع في درجة عاليه من درجات الاولويات وهو أمر يختلف عن مسألة الخدمات والتي نعتقد بأنها لاتختلف كثيراً في جغرافيا النزوح عن الوضع الذي عليه ولاية الخرطوم الآن وبالتالي وقبل أن تصدر حكومة الولاية فرماناتها الرسمية لينفذها المواطنين وهم صاغرين عليها إرسال رسائل حقيقية في بريد النازحين واللاجئين تطمئنهم وتجعل بالفعل عودتهم طوعية للولاية واضعين في الاعتبار الاضرار التي لحقت بمقار الشرطة والامن وبكل إمكانياتها من تسليح وحركة ونقل وكادر بشري بسبب الحرب وتعاظم هذه المسؤولية بعد الحرب بسبب إنتشار السلاح والمخدرات وفتح السجون وهروب المجرمين وإنتشار خطاب التحريض والكراهية وانتشار الغبن الاجتماعي والتفلتات.

يحتاج صانع القرار الرسمي في هذا الظرف الصعب الذي تمُر به الدولة السودانية للتفكير خارج صندوق الحرب وشروطها التي تفرضها والتفكير في أن ولاية مثل ولاية الخرطوم في الأصل وقبل إندلاع الحرب كانت تحتاج لتخطيط مختلف في بنيتها التحتية وعمرانها والتوزيع السكاني فيها وخارطة توزيع الخدمات فيها وإعادة النظر في الهيكل الرسمي للدولة وثقافتها كمدينة في المباني والطرق والجسور بالاضافة لتصورات تضع مشروعات إعادة الاعمار وفقا لما سيتوفر من تمويل والاستئناس بالتجارب في دول الاقليم والعالم والعواصم التي خرجت من الحروب وألا يكون الشعار الرسمي هو أن سنعيدها سيرتها الاولى.

 

معرض الصور