
اذا يستحق السودانيون سلطة مدنية؟
يوسف عبد الله
على الرغم من تطاول الانقلابات العسكرية على السودان، إلا أن السودانيين تمسكوا دائما بحلمهم في حكومة وسلطة مدنية، يحق لهم تغييرها في الأجل الذي يتفقون عليه ويحسبونها متى ما أخطأت التقدير.
ظل هذا الحلم عصيا على التحقق برغم الثورات السلمية التي فجروها في السنوات: 196
ما يمكن الاتفاق عليه هو أن الانتقال المدني الديمقراطي كان يمثل أهمية كبيرة لمستقبل السودانيين، من واقع انه يتيح، على سبيل المثال، فرصة لبناء نظام سياسي مستقر، يحقق العدالة وينهي التردي المتطاول ويساعد على تحسين مستوى الحياة بالنسبة للمواطنين.
لكن السودانيون الذين لم يدركوا ذلك قط ظلوا في حجاج دائم لتصحيح الخطأ الأساسي الذي يزعم أحقية الجيش في حكم البلاد والتحكم في مسارها السياسي والاقتصادي.
استغرق هذا الحجاج ما يقارب السبعين سنة حتى انتهى إلى حرب تدميرية شاملة بين العسكريين، والآن هذه الحرب على وشك أن تقسم البلاد للمرة الثانية، على طريقة ما حدث مع جنوب السودان في 2011.
وفي هذا المطلب الديمقراطي المدني صارع السودانيون أنظمة عسكرية صرفة وعسكرية مؤدلجة لا ترى إلا نفسها.
وفي الواقع سيكون انفصال دارفور ماثلا إذا أصر قادة الجيش على المضي في الحل العسكري، وكذلك مضت قوات الدعم السريع والشركاء في تحالف (تأسيس) في إنشاء سلطة موازية في إقليم دارفور لا تأبه للحكومة المعينة حديثا برئاسة كامل إديس.
وبالمحصلة، فإن انفصال دارفور لن يكون نهاية سعيدة لحالة الاحتراب المستعرة الآن، إنما بذرة لحرب طويلة الأمد كما تنذر بذلك السيناريوهات المتوقعة.
قبل انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي شارك فيه قائد الجيش وقائد قوات الدعم السريع، كان التحول الديمقراطي في السودان ممكنا، وكذلك مهما، ليس فقط للسودان والقارة الأفريقية وحسب، بل للشرق الأوسط الذي واجه عمليات انتقال ديمقراطي خيبت الآمال. الآن زادت الأوضاع سوءا وتدهور الواقع بصورة تجعل من تداركه مشقة مضاعفة.
وهذا التدهور يحتم على الأطراف التزام مبدأ أخلاقي بوقف الحرب، أولا، والدفاع عن قيم الثورة الديمقراطية التي شهدها السودان عام 2019 ومراعاة تطلعات السودانيين في حكم مدني ديمقراطي، يظل هذا المبدأ أفضل عمل ديبلوماسي يمكن فعله رغم صعوباته.
وإزاء ذلك، لن يعرف السودان السلام والاستقرار النهائي إذا تجاهل العالم والإقليم المطالب العادلة المعلنة لملايين الثوار السلميين الذين احتشدوا في الشوارع بإصرار وعزيمة.