قصص

30/03/2024

نساء السودان بين جحيم الحرب وتداعياتها

سمر سليمان

تشير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى وجود نحو 6 ملايين نازح داخلي بسبب الحرب معظمهم من النساء والأطفال، غير أن الانتهاكات والعنف ضد المرأة في ظل الحرب كان السمة الأبرز حيث تعرضن لاعتداءات لم تقف عند حد النزوح والتحرش، بل امتدت للاغتصاب. بلغ عدد تلك الانتهاكات ما يقارب 370 انتهاكا، حصل إقليم دارفور بغرب السودان على الحصة الأكبر من الانتهاكات حيث بلغت 56 حالة عقب اجتياح قوات الدعم السريع للإقليم في تموز/يوليو الماضي.

تقول فاطمة أحمد وهي في العقد الخامس من العمر تبيع وجبات طعام، أجبرتها الحرب على النزوح مدينة الخرطوم إلى كسلا بشرقي السودان، تقول إن الحرب قلبت حياتها وحياة أسرتها رأسا على عقب. فقدت فاطمة مصدر دخلها الأول وهو مطعم صغير لبيع الوجبات الشعبية، وهي تعمل بعدما نزحت إلى أقصى شرق السودان على فتح محل صغير لبيع الوجبات في كسلا. تحاول فاطمة، في الوقت الراهن، تجاوز الفترة العصيبة التي مرت بها في الخرطوم هي وعائلتها التي سادتها أجواء إطلاق النار والقذائف، وانتشار أشلاء الجثث على امتداد الشوارع.

تقول عوضية مرجان التي نزحت من العاصمة إلى محلية جبل أولياء جنوب الخرطوم: "اضطررنا للنزوح للمرة الثانية بعدما امتدت رقعة الحرب لجبل أولياء إلى مدينة ود مدني بوسط السودان. أثناء تلك الرحلة الشاقة فقدت شقيقتي التي كانت تعاني من مرض مزمن نتيجة عدم توفر مستشفيات أو مراكز صحية تقدم العلاج".

يثير ما تتعرض له النساء في السودان من عنف جنسي، في ظل الحرب التي تدور في الخرطوم ومناطق في دارفور منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي قلق واستهجان المنظمات الدولية والمحلية. تقول منظمة العفو الدولية إنّ عشرات النساء والفتيات، لا تتجاوز أعمار بعضهن 12 عاما تعرضن للعنف الجنسي من لدن الأطراف المتحاربة في السودان، بل واحتجز بعضهن عدة أيام في ظروف من الاستعباد الجنسي.

وفي ذات السياق يذكر أحمد إبراهيم وهو أحد أطباء العلاج النفسي بالسودان أنه عالج 1000 امرأة، مشيرا إلى أن أبرز الحالات هي تعرض النساء للاعتداء الجنسي والجسدي واللفظي بسبب الحرب، لافتا إلى اتساع دائرة الاعتداء الجنسي خلال الأشهر الماضية. ويسعى المعالج النفسي في علاجه إلى وصول هؤلاء النساء إلى الاتزان النفسي والتخلص من الاضطرابات التي أصبن بها نتيجة الاعتداءات.

قامت الناشطة في الشؤون القانونية دعاء مأمون بتوثيق كافة الانتهاكات التي طالت النساء في السودان منذ بداية اندلاع الحرب. وهي تؤكد وقوع العديد من حالات الانتهاك الجسدي ضد السودانيات ونقص في حقوقهن التعليمية والصحية. من جانب آخر، وردت أنباء من منظمات تقدم المساعدات للنساء في أفريقيا عن تكدس آلاف السودانيات في أحد معسكرات اللجوء على الحدود بين دولتي جنوب السودان وأوغندا، وعن تعرض بعضهن إلى انتهاكات وتعنيف مع تدهور الأوضاع الأمنية والمعاشية والبيئية هناك.

تذكر المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري، أنه منذ اندلعت الحرب في منتصف نيسان/ أبريل الماضي، سجلت 96 حالة اختفاء قسري بين النساء اللاتي من المرجح أن يكن قد تعرضن للاغتصاب والاستعباد الجنسي أوتم تسخيرهن للأعمال المنزلية. في حالات اختفاء النساء ومن ثم عودتهن، تزداد تعقيدات الحياة فغالبا تطالهن وصمات العار وتوجه إليهن أنواعا متعددة من الانتهاكات اللفظية. ويزيد العبء على النساء في حالات اختفاء الرجال من نواح اقتصادية واجتماعية وقانونية. إذ لا يسمح القانون للمرأة في حالة اختفاء الزوج بالتصرف في مدخرات الزوج قبل مرور فترة زمنية لا تقل عن سنتين من اختفائه.

دعا خبراء الأمم المتحدة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى إنهاء انتهاكات القانون الإنساني وحقوق الإنسان معربين عن قلقهم بشأن تقارير تفيد بأن النساء والفتيات قد تعرضن للاختفاء القسري وأعمال ترقى إلى الحد الذي أُجبرن فيه على السخرة والاستغلال الجنسي من جانب قوات الدعم السريع.

يذهب خبير الشؤون الاقتصادية الهادي محمد إبراهيم إلى أن الحرب قد كبدت النساء السودانيات قدرا كبيرا من الخسائر على مستوي الوظائف والممتلكات والمساكن ومصادر الدخل، ما دفعهن إلى طرق أبواب الإغاثة والمساعدات. موضحا أن اضطرار النساء إلى ترك أشغالهن الأساسية، خاصة في مناطق الريف حيث يعملن في الزراعة، والرعي، والأعمال الحرفية، أدى إلى وضع اقتصادي مأزوم.

استمرار الحر ب يعني استمرار الانتهاكات والاعتداءات التي طالت ولا تزال تطال النساء في السودان، ولاسيما في ظل غياب وسائل الحماية. من المرجح ألا يتوقف هذا الصراع المسلح بدون تدخل دولي سريع، وحتى تتمكن المنظمات الإنسانية الدولية من التدخل لإنقاذ النساء وحمايتهن.

المصدر:
موقع مؤسسة كارنيغي
carnegieendowment.org
نشر التقرير بتاريخ 26 مارس 2024

معرض الصور